المطلب الخامس: حكم إيمان المقلد

البحث في هذه المسألة كان نتيجة لإيجاب المتكلمين النظر والاستدلال على كل مكلف فإنهم لما جعلوا النظر العقلي أول الواجبات وأصل العلم اختلفوا في حكم من آمن ولم ينظر ويستدل على ثلاثة أقوال:

الأول أنه يصح إيمانه ويكون كافرا.

الثاني أن إيمانه صحيح ولكنه آثم على تركه النظر والاستدلال. الثالث أن يكون مقلدا لا علم له بدينه لكنه ينفعه هذا التقليد ويصير به مؤمنا غير عاص (?).

والماتريدية لما قالت بوجوب النظر والاستدلال ذهب جمهورهم إلى أن من آمن ولم ينظر ويستدل يكون إيمانه صحيحا ولكنه يأثم على تركه للنظر والاستدلال وذهب بعضهم إلى أنه يكون مقلدا ولا يأثم على تركه النظر والاستدلال.

قال الناصري: " قال الإمام سيف الحق أبو المعين: ثم المذهب أن المقلد الذي لا دليل معه مؤمن وحكم الإسلام لازم له وهو مطيع لله تعالى باعتقاده وسائر طاعاته وإن كان عاصيا بترك النظر والاستدلال وحكمه حكم غيره من فساق أهل الملة .... ".ثم قال أبو المعين: " ذهب أكثر المتكلمين إلى أنه لابد لثبوت الإيمان وكونه نافعا من دليل ينبني عليه اعتقاده غير أن أبا الحسن الرستغفني ... قال: إذا بنى اعتقاده على قول الرسول وعرف أنه رسول وأنه ظهرت على يده المعجزات ثم قبل منه القول في حدوث العالم وثبوت الصانع ووحدانيته من غير أن عرف صحة كل من ذلك بدليل عقلي كان كافيا " (?).

وقال الأوشي: وإيمان المقلد ذو اعتبار بأنواع الدلائل كالنصال (?) وقال الزرنوجي: " فإن إيمان المقلد وإن كان صحيحا عندنا لكن يكون آثما بترك الاستدلال " (?).

والأقوال الثلاثة في المسألة- وقول الماتريدية ضمنها- باطلة لأنها قد بنيت على أصل باطل وهو أن النظر والاستدلال أصل الدين والإيمان وهم يقصدون بالنظر الاستدلال على وجود الله بدليل حدوث الأجسام وقد تقدم بيان فساد هذا الدليل بالتفصيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015