5 - بهذا كله نعلم أن منهج الأشاعرة والماتريدية – على الرغم من انتشارهما في العالم الإسلامي – منهج مخالف لما كان عليه سلف الأمة من إثبات صفات الله إثباتاً حقيقياً بلا تعطيل، ولا تمثيل، وإن زعم سلفية هذا المنهج من زعمها من المتأخرين كما صنع فتح الله خليف في مقدمته لكتاب (التوحيد) للماتريدي (?).وأضيف هنا أن الأشعرية الكلابية، والماتريدية على الرغم من أنهما اتفقا في سلوك منهج التأويل والتعطيل، وركوب صهوة العقل، فقد اختلفوا في مسائل الاعتقاد، عنى بجمعها المؤلفون (?)، فنقل التاج السبكي ت 771هـ عن والده التقي السبكي ت 756هـ أن مسائل الخلاف، بين الطائفتين ثلاث مسائل فقط، ثم ذكر هو أنها ثلاث عشرة مسألة، منها ست الخلاف فيها معنوي، وسبع الخلاف فيها لفظي، وتبعه على ذلك، الزبيدي، والمقريزي، وأوصلها البياضي إلى خمسين مسألة (?)، والذي يبدو للمتأمل أن خلافهم في التعداد راجع في غالبه إلى التفصيل والإجمال، وأن أذكر من تلك المسائل ألصقها بالصفات والتأويل:1 - صفة التكوين: والتكوين عند الماتريدية – كما تقدم – هو الإخراج من العدم إلى الوجود، وهو عندهم صفة أزلية، والصفات الفعلية المتعدية عندهم من متعلقات التكوين، وليست صفات لله حقيقة، وإلا لزم قيام الحوادث بالله تعالى، أو لزم تكثير القدماء جدا (?) وأما جمهور الأشاعرة فلا يعترفون بصفة التكوين، ويذهبون إلى أن صفات الأفعال مجرد إضافات واعتبارات حادثة مرجعها مجموع القدرة والإرادة (?)، ويبدو أن الأشاعرة رفضوا هذه الصفة بناء على أصلهم السابق في إقرار سبع صفات فحسب، مع قولهم: إنها الثانية بالعقل، وأما الماتريدية فقد أتوا بهذه الصفة – التكوين – ووصفوها بالأزلية فراراً من القول بحلول الحوادث بذات الله – كما زعموا – غير أنهم قد عجزوا عن إزاحة الغموض عن رأيهم حول هذه الصفة، قال الرازي في مناظراته مع نور الدين الصابوني الماتريدي ت 580هـ: "هذه الصفة التي سميتها التكوين إن كانت عبارة عن هذه الصفات السبع فنحن نعترف بها، إلا أن البحث يصير لفظياً، وإن كانت صفة أخرى فلابد من بيانها وشرح حقيقتها حتى يمكننا نفيها أو إثباتها" (?) وهذا يدل على أن الخلاف في هذه المسألة خلاف جوهري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015