ويرى شيخ الإسلام أن هذه الحجة هي في الأصل حجة المشركين المكذبين بالرسول الذين قالوا لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ [الأنعام: 148]، فإنهم نفوا قبح الشرك وتحريم ما لم يحرمه الله من الطيبات بإثبات القدر، لكن شيخ الإسلام يستدرك – إنصافا لخصومه – فيقول: "لكن هؤلاء الذين يحتجون بالجبر على نفي الأحكام إذا أقروا بالشرع لم يكونوا مثل المشركين من كل وجه، ولهذا لم يكن المتكلمون المقرون بالشريعة كالمشركين وإن كان فيهم جزء من باطل المشركين. لكن يوجد في المتكلمين من المتصوفة طوائف يغلب عليهم الجبر حتى يكفروا حينئذ بالأمر والنهي والوعد والوعيد والثواب والعقاب، إما قولا وإما حالا وعملا ... " (?).ولاشك أن الأشاعرة – وكذلك المعتزلة – ليس لهم حجة على قولهم في التحسين والتقبيح، سوى أخذهم ببعض النصوص دون بعض، وشيخ الإسلام كثيرا ما يفصل الخلاف في ذلك مبينا المذهب الحق (?).

¤موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1319 يرى الأشاعرة أن القبيح ما نهى عنه الشارع والحسن بضده، فلا حكم إذاً للعقل في حسن الأشياء وقبحها، وأنه ليس ذلك عائداً إلى أمر حقيقي في الفعل، فالشارع مثبت ومبين للحسن والقبح بأمره أو نهيه (?).ولهم طرق لإثبات زعمهم هذا، منها ما صرح بعضهم بضعفه (?)، ومنها ما اتفقوا على قوته، والمقصود إيراد ما اتفقوا عليه من الطرق: الدليل الأول: قال الإيجي: "إن العبد مجبور في أفعاله، وإذا كان كذلك لم يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح اتفاقاً. بيانه: إن العبد إن لم يتمكن من الترك فذلك هو الجبر، وإن تمكن ولم يتوقف على مرجح بل صدر عنه تارة ولم يصدر عنه أخرى من غير سبب كان ذلك اتفاقياً، وإن توقف على مرجح لم يكن ذلك من العبد، وإلا تسلسل ووجب الفعل عنده، وإلا جاز معه الفعل والترك فاحتاج إلى مرجح آخر وتسلسل، فيكون اضطرارياً، وعلى التقادير فلا اختيار للعبد فيكون مجبوراً (?).

والجواب من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: إن هذا التقسيم باطل مخالف للشرع والعقل والحس، لأنه يلزم منه التسوية بين الفعل الاضطراري والفعل الاختياري، وهذا خلاف ما تقضي به الضرورة (?).الوجه الثاني: إن الإيجي سلم بأن الفعلين الاتفاقي والاضطراري لا يكونان حسنين ولا قبيحين عقلاً، فيقال له: يلزم من هذا التقسيم إبطال الحسن والقبح الشرعيين كذلك، لأن فعل العبد لا يخلو من أن يكون ضرورياً أو اتفاقياً (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015