وقد ناقش شيخ الإسلام هذه الحجة هنا – في مبحث التعليل – من وجوه:1 - "أن هذا منقوض بنفس ما يفعله من المفعولات، فما كان جوابا في المفعولات، كان جوابا عن هذا، ونحن لا نعقل في الشاهد فاعلا إلا مستكملا بفعله" (?).2 - أن قولهم "مستكمل بغيره" باطل، لأن هذا إنما حصل بقدرته ومشيئته، لا شريك له في ذلك، فلم يكن في ذلك محتاجا إلى غيره وإذا قيل: كمل بفعله الذي لا يحتاج فيه غيره، كان كما لو قيل كمل بصفاته، وبذاته" (?).3 - "أن العقل الصريح يعلم أن من فعل فعلا لا لحكمة، فهو أولى بالنقص ممن فعل لحكمة كانت معدومة، ثم صارت موجودة في الوقت الذي أحب كونها فيه، فكيف يجوز أن يقال: فعله لحكمة يستلزم النقص، وفعله لا لحكمة لا نقص فيه" (?).4 - "أنه ما من محذور يلزم بتجويز أن يفعل لحكمة، إلا والمحاذير التي تلزم بكونه يفعل لا لحكمة أعظم وأعظم ... " (?).
¤موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1310
يرى الأشاعرة أن أفعال الله وأحكامه لا تعلل بالعلل والأغراض ولا تتوقف على الحكم، إذ كل ذلك بمحض مشيئته وإرادته. قال الآمدي: "مذهب أهل الحق أن الباري تعالى خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها ولا لحمة يتوقف الخلق عليها!، بل كل ما أبدعه من خير وشر ونفع وضر لم يكن لغرض قاده إليه ولا لمقصود أوجب الفعل عليه" (?).فتراه ينفي توقف الخلق على الحكمة، والأشاعرة لا ينفون ثبوت الحكمة، إذ لا ينكرون ترتب الحكم على أفعال الله، وإنما الممنوع عندهم أن تكون مقصودة سابقة للفعل، وهذا ظاهر من كلام الآمدي، أما إثباتها ففي مثل كلام الباجوري حيث قال معدداً صور المماثلة التي ينزه الله عنها: "أو يتصف بالأغراض في الأفعال والأحكام ... "ثم قال": فلا ينافي أنه لحكمة وإلا لكان عبثاً وهو مستحيل في حقه تعالى" (?).ومما ينبغي أن يعلم أن بعض الأشاعرة يثبت الحكم في الأحكام فيعلل بها، وهذه طريقة من تأثر منهم بالفقه كقول التفتازاني: "والحق أن تعللي بعض الأفعال لا سيما شرعية الأحكام بالحكم والمصالح ظاهر ... ولهذا كان القياس حجة إلا عند شرذمة لا يعتد بهم وأما تعميم ذلك بأن لا يخلو فعل من أفعاله عن غرض فمحل بحث" اهـ (?). وقال الرازي: "إن غالب أحكام الشرع معلل برعاية المصالح المعلومة" (?) وهو قد ذكر أدلة كثيرة في كتبه على نفي تعليل أفعال الله بالحكمة (?) ولكنه قد يذكر في بعض المواضع جواز ذلك تفضلاً من الله وإحساناً لا وجوباً عقلياً على الله (?). وهذا ينافي ما ساقه من أدلة تنفي جواز التعليل!.