الأول: القوة والضعف من التصديق من الكيفيات النفسانية المتفاوتة قوة وضعفاً. الثاني: من وجه التفاوت – أعني ما هو بحسب المتعلق – أن يقال: التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالإجمال، يعني أن أفراد ما جاء به متعددة وداخلة في التصديق الإجمالي. فإذا علم واحداً منها بخصوصه وصدق به، كان هذا تصديقاً مغايراً لذلك التصديق المجمل، وجزءاً من الإيمان. ولا شك أن التصديقات التفصيليه تقبل الزيادة فكذلك الإيمان، والنصوص كنحو قوله تعالى: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال: 2] دالة على قبوله لهما – أي قبول الإيمان للزيادة والنقصان – بالوجه الثاني، كما أن نص قوله تعالى: وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260] دل على قبوله لهما بالوجه الأول (?).هذا ما ارتضاه صاحب (المواقف)، وقد رد على من قال من أصحابه بأن الإيمان – الذي هو التصديق عندهم لا يزيد ولا ينقص بقوله: قولكم الواجب اليقين والتفاوت لا يكون إلا لاحتمال النقيض – قلنا لا نسلم أن التفاوت لذلك الاحتمال فقط، إذ يجوز أن يكون بالقوة والضعف بلا احتمال للنقيض – ثم ذلك الذي ذكرتموه يقتضي أن يكون إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وآحاد الأمة سواء، وأنه باطل إجماعاً. ولقول إبراهيم عليه السلام: وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260] فإنه يدل على قبول التصديق اليقيني للزيادة كما سلف تقريره والظاهر أن الظن الغالب الذي لا يخطر معه احتمال النقيص بالبال حكمه اليقين، في كونه إيماناً حقيقياً، فإن إيمان أكثر العوام من هذا القبيل، وعلى هذا فكون التصديق الإيماني قابلاً للزيادة واضح وضوحاً تاماً (?).وقد ذكر تاج الدين السبكي أن هناك مجموعة قالوا بأن الإيمان هو التصديق، ومع ذلك قالوا أيضا بأنه يزيد وينقص، وأنهم إنما ذهبوا هذا المذهب ليجمعوا بين كلام السلف القائلين بأن الإيمان يتجزأ وما أنكروا أن يكون تصديقاً، وبين قول أبي الحسن الأشعري القائل بأنه التصديق فقط، وما أنكر أن يصح تجزؤه فجمعوا بين الأمرين بأن قالوا: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهي الأعمال ونقصانها، وقالوا: إن في هذا توفيقاً بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة، وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون، وممن قال بهذا الرأي من متكلمي الأشاعرة الآمدي في كتابه (أبكار الأفكار) (?).وقد استحسن الإمام النووي من محدثي الأشاعرة هذا الرأي إلا أنه مال إلى القول بأن نفس التصديق يزيد وينقص حيث قال: "وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهراً حسناً فالأظهر – والله أعلم – أن نفس التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر، وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة، ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك.