قلت: وكلام العلماء في ذم الأشاعرة والكلابية، والرد على ما ابتدعوه من الأصول المخالفة لاعتقاد السلف كثير جداً، أما الحنابلة فيصعب حصره واستقصاؤه لكثرته، وقد علم ما كان بين الحنابلة والأشاعرة من النفرة والتنازع، ومن تأمل تراجم الحنابلة في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، والذيل عليها للحافظ ابن رجب، فضلاً عن غيرها من كتب التواريخ ككتاب (تاريخ الإسلام) للذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير، وغيرها كثير، يجد ذما كثيراً للأشاعرة لما ابتدعوه من الأصول، كما كان من شرف الإسلام ابن الحنبلي عبدالوهاب بن عبدالواحد، والوزير يحيى ابن هبيرة، وتقي الدين عبدالستار بن عبدالحميد المقدسي، وأبي الحسن بن الزاغوني، والقاضي أبي الحسن بن الفياء الحنبلي، وغيرهم.

وقد قال ابن المبرد في كتابه العظيم ("جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر") بعد أن ذكر الذين ترجم لهم ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري) وانتقد ذكره لبعضهم، قال بعد ذلك: "فصل: ونحن نذكر جماعة ممن ورد عنهم مجانبة الأشاعرة، ومجانبة الأشعري وأصحابه من زمنه وإلى اليوم على طريق الاختصار ... ".ثم ذكر ما يزيد على أربعمائة عالم، ثم قال: "فهذه لعمرك الدساكر لا العسكر الملفق الذي قد لفقه ابن عساكر بالصدق والكذب، الذين لا يبلغون خمسين نفساً ممن قد كذب عليهم، ولو نطوّل تراجم هؤلاء كما أطال في أولئك لكان هذا الكتاب أكثر من عشر مجلدات، ووالله ثم والله ثم والله! لما تركنا أكثر مما ذكرنا، ولو ذهبنا نستقصي ونتتبع كل من جانبهم من يومهم وإلى الآن لزادوا على عشرة آلاف نفس" (?) اهـ.

وقد كان أهل المغرب عامة على منافرة الأشاعرة والمتكلمين، حتى أتى ابن تومرت فنشر الأشعرية، وفرضها على الناس، وقد حصل بخروجه شر كثير. قال المراكشي في "المعجب" في كلامه على ابن تومرت وخروجه على المرابطين: "فخرج قاصداً مدينة فاس، فلما وصل إليها أظهر ما كان يظهره، وتحدث فيما كان يتحدث فيه من العلم، وكان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريق الأشعرية، وكان أهل المغرب – على ما ذكرنا – ينافرون هذه العلوم ويعادون من ظهرت عليه، شديداً أمرهم في ذلك" (?) اهـ.

¤الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم - ص 659

طور بواسطة نورين ميديا © 2015