فيجب على العلماء أن يلموا بعلوم الشريعة وأن يجمعوا الأمة بذلك ومتى ما اختل هذا الأمر وتصدر الناس ورأسهم من يدعي العلم وهو في الحقيقة جاهل بشيء مما مضى فهنا تقع الفتنة في الأمة والاختلاف في الدين ويصاب المجتمع المسلم بالفرقة. ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقوع هذا الأمر وحذرنا من ذلك ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) (?).ويزيد الشاطبي رحمه الله المسألة تفصيلا ويبين أن من أسباب الفرقة: ترأس الجهلة، وأن الاختلاف المؤدي للفرقة لا يصدر أبدا من العلماء الراسخين في العلم فيقول: فاعلموا أن الاختلاف في بعض القواعد الكلية لا يقع في العاديات الجارية بين المتبحرين في علم الشريعة العاملين بمواردها ومصادرها ثم يذكر أن الاختلاف المؤدي للفرقة والذي يلقي العداوة بين المسلمين إنما يقع حينما: يعتقد الإنسان في نفسه أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين ـ ولم يبلغ تلك الدرجة ـ فيعمل على ذلك ويعد رأيه رأيا وخلافه خلافا ولكن تارة يكون ذلك في جزئي وفرع من الفروع وتارة يكون في كلي وأصل من أصول الدين ـ كان من الأصول الاعتقادية أو من الأصول العملية ـ فتراه آخذا ببعض جزئيات الشريعة في هدم لكيانها حتى يصير منها ما ظهر له بادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها وهذا هو المبتدع وعليه نبه الحديث الصحيح (?).ولقد جاء التحذير من ترؤس الجهلة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أن ذلك من أشراط الساعة فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)) (?) والتماس العلم عند الأصاغر لا يكون إلا بترأسهم وتصدرهم للفتيا من جهة, وذهاب العلماء الراسخين أو تنحيتهم من جهة أخرى (?) يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ألا إن الناس لم يزالوا بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم" (?) وقال: "قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم: إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا" (?) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا جاءهم العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا" (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015