لقد كان الميرزا في بدء حياته خامل الذكر، لا يُعبأ به ولا يُذكر بخير أو شر.
ثم اتجه إلى التأليف والمناظرات التي كانت ملتهبة في القارة الهندية بين شتى الأفكار والفرق، وقد بدأ مناظراً جلداً عن الإسلام والمسلمين، مع ما كان يظهر منه بين الفينة والأخرى من غلو في نفسه وتمجيدها، وكان علماء المسلمين تجاهه بين الاستبشار والقلق من أن يجمح به فرسه إلى ما لا تحمد عقباه.
ومن هنا بدأت الأنظار تلتفت نحوه وذاع صيته وأعجبته نفسه ومواهبه، فبدأ يحتطب في حبله وطلب من الناس أن يبايعوه، ولم يبخل على نفسه بلقب مجدد العصر (المأمور من الله شبيه المسيح في دعوته إلى الله وأحواله الشخصية).
وقد اقتضت سياسة بريطانيا أن يزيدوا من النار اشتعالاً؛ فشجعوا قيام المناظرات وافتعال الخصام والعنف بين الطوائف، ليشعر الجميع بالحاجة إلى دولة قوية تحميهم وتكون الملجأ لجميعهم وهي سياسة بارعة منهم. وحين شمر القادياني في بدء أمره للدعوة إلى الإسلام ودحض حجج خصومه من الهندوس والنصارى، وحينما توجه إليه المسلمون أعلن أنه بدأ في تأليف كتاب كبير في إثبات فضل الإسلام وإعجاز القرآن وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والرد على الديانات السائدة في الهند كالمسيحية والآرية (?) والبرهمية والبرهموسماجية (?)، وسمى هذا الكتاب (براهين أحمدية) وتكفل المؤلف القادياني في أن يجمع في هذا الكتاب ثلاثمائة دليل على صدق الإسلام في خمسين مجلداً، يدفع فيه كل الاعتراضات والإيرادات التي يعترض بها الكفار عامة على الإسلام، وطلب من المفكرين أن يراسلوه بأفكارهم ليستعين بها، وطلب كذلك التبرع السخي بالمال لطبع الكتاب؛ فانخدع بذلك كثير من العلماء وعامة المسلمين، وفرحوا بهذا الإنجاز المرتقب، وبدأ القادياني يكتب، فكيف تم ذلك؟
الواقع أن الكتاب كان بمثابة صدمة عنيفة للمسلمين وخيبة أمل مريرة، فقد أصدر الجزء الأول منه وسماه براهين أحمدية سنة 1880م، وملأه بمدح نفسه وكراماته وكشوفاته وإعلانات أخرى زكّى بها نفسه، ثم أصدر الجزء الثاني وكان لا يختلف عن الأول من حيث المضمون، ثم أصدر الجزء الثالث سنة 1882م، ثم أصدر الجزء الرابع سنة 1884م.
وقد ضمن الجزء الثالث والرابع حث العلماء والجمعيات الإسلامية على إقناع الحكومة الإنجليزية بأن المسلمين أمة هادئة سلمية مخلصة للإنجليز، وأن جهاد الإنجليز حرام، وأن حكومتهم نعمة جسيمة من الله ورحمة، وأنها هي الدولة الوحيدة التي تحقق أهداف المسلمين، وأعاد ذلك وكرره مرة بعد مرة ففطن العلماء له وعرفوا أنه لا يريد إلا الشهرة وكسب المال لا الدفاع عن الإسلام.