(ويمكننا أن نقول: إن الناسوت من اللاهوت كالخط من المعنى، وكما أن فكر الإِنسان المحدود بالكيفية والإِضافة والزمان وما شابه ذلك لا يستطيع أن يدرك المعاني مجردة من الخط أو الصورة أو الصوت، كذلك لا يمكن أن يدرك اللاهوت بوجه من الوجوه، وإنما يتجلى الله في الناسوت، ويكون هذا الناسوت قد تنزه عن كل ما ليس هو في حقيقته وشموله، فأضحى تشخيصًا للإِنسان الكامل، أي ناسوتًا مجردًا متطهرًا مثاليًا متنزلاً بتجرد الباقي السرمدي فيه عن التوهم والفناء. وهذا هو التأنيس بالنسبة للآخرين بغية التعرف من خلاله إلى حقيقة الموجود في سعي بعضهم، وتقربهم، وطلبتهم للمشاهدة والتوحيد الآخر) (?).
والدروز يعتقدون أن الإِله المعبود اتخذ له في الأدوار الماضية صورًا ناسوتية أخرى، ويعتقدون أيضًا أن هذه الأدوار كانت سبعة أدوار وأن الإِله المعبود قد أظهر ناسوته في هذه الأدوار عشر مرات أو (مقامات)، وفي (رسالة السيرة المستقيمة) حديث طويل عن هذه الأدوار، يقول حمزة في هذه الرسالة:
وهو القسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، هو الحاكم جل ذكره نطق بأن مولانا جل ذكره هو القائم على كل نفس بما كسب، وهو المعز، وهو العزيز، وهو الحاكم جل ذكره، يظهر لنا في أي صورة شاء كيف يشاء (إن الدين عند الله الإِسلام)، أي سلموا أمورهم إلى المولى سبحانه ورضوا بقضائه، فهم المسلمون له حقا، والمؤمنون به، والموحدون له تأليهًا وسدقًا. وتسمى مولانا جل ذكره بالقائم لأن أول ما ظهر للعالم بالملك والبشرية في أيام النطقاء الناموسية والشركية، فقام على العالمين بالقوة والقدرة) (?).فتغيير صور ناسوته إنما كان لصلاح شأن الناس، لأن ناسوته لا يفارق لاهوته طرفة عين، لذلك ظهر في مقام القائم باسمه ووصفه، وظهر في مقام المنصور جلت قدرته، وهو في مقام المعز جلت عظمته، وفي مقام العزيز أيضًا جل جلاله (العزيز والمعز هما أب وجد الحاكم بأمر الله)، وكل هؤلاء واحد لا يشغله شأن عن شأن، يعني لا يشغله ظهوره في صورة عن ظهوره في صورة أخرى) (?).
والمقامات الناسوتية التي ظهر فيها المعبود هي كما يعتقد بها الدروز:
العلي.
البار.
أبو زكريا: ظهر في وقت السماء الثالثة سنة 220 هـ.
عليا: ظهر في وقت السماء الرابعة.
المُعل: ظهر في وقت السماء الخامسة.
القائم: كان طفلاً استودعه مع سر إمامته أبوه المعل برعاية سعيد المهدي الملقب بـ (عبيد الله) سنة 280 هـ، وكان سعيد في العشرين من عمره، هرب بالقائم من وجه العباسيين إلى مصر سنة 289 هـ، ثم إلى شمال أفريقية سنة 308 هـ، وهو مؤسس الدولة الفاطمية.
تلاه المنصور الذي حكم من سنة 334 إلى سنة 341 هـ، ثم المعز من سنة 341 إلى سنة 365 هـ، وهما مع القائم يعتبرون في المذهب الدرزي ذاتًا واحدة. العزيز: من سنة 365 إلى سنة 386 هـ، وأخيرًا الحاكم بأمر الله) (?).
والاعتقاد بهذه المقامات العشرة، واجب مؤكد على الدرزي، ففي رسالة درزية مخطوطة، مجهولة المؤلف وعنوانها (ذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ويعتقد به ويحفظه ويسلك بموجبه، وهو قول موجز عن كتاب الفرائض) يقول فيها مؤلفها:
ويجب معرفته تعالى في المقامات العشرة الربانية وهم: العلي، والبار، وأبو زكريا، وعليا، والمعل، والقائم، والمنصور، والمعز، والعزيز، والحاكم، وكلهم إله واحد لا إله إلا هو.