إن الهدف السياسي للحركات الباطنية هو إسقاط الخلافة الإسلامية وإعلان الإمامة الشيعية أمر لا يختلف فيه اثنان ولكن اتجاه هذه الحركات بعد فترة طويلة من ظهورها اتجاها دينيا وفكريا تستر به اتجاهها السياسي يثير الشك والانتباه ويبدو أن هذه الحركات - وعلى رأسها الإسماعيلية – قد تنبهت إلى نقطة مهمة وخطيرة وهي أن غالبية الحركات والثورات التي اشتعلت ضد الخلافة الإسلامية قد آلت إلى الفشل الذريع لعدم استنادها على مفهوم ديني وفكري تدعم به حركتها.
وقد سارعت الحركة الباطنية الشيعية لاستغلال هذه النقطة أبشع استغلال فجعلت لأئمتهم من نسل علي بن أبي طالب صفات أوصلتهم إلى رتبة الإجلال والتقديس بل في بعض الأحيان إلى درجة الألوهية فهم بفضل الصفات التي أودعها الشيعة فيهم أئمة المسلمين وفقهاؤهم ووارثو رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فيأمرون ويعلمون باسم الله كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام حتى أنهم أضافوا إلى (أركان الإسلام الخمسة) ركنا سادسا وهو الولاية أي الانضواء إلى الأئمة وعدم مخالفتهم وموالاة أعدائهم وبهذا الركن الذي أدخلوه على الإسلام استطاعوا أن يروجوا ما يريدون على أنه من الأئمة الذين لا تجوز مخالفتهم بحيث أصبحت حركة التشيع تعني اتجاها مغايرا للإسلام الصحيح بأفكارها الدينية وعقائدها الجديدة الغريبة على الإسلام والمسلمين. وهكذا نشأت أنظمة سرية تعمل على نشر الآراء الدينية والفكرية الجديدة بين الناس فكانت الحركة الباطنية الشيعية (عبارة عن دعاية خفية مستترة أكثر مما هي مقاومة مكشوفة وهذا ما جعلها مخالفة لغيرها من الفرق وهي دعاية يحيط بها جو من الأسرار وتغشاها أساليب المكر والمرواغة) (?).فكان من أكبر ما تمتاز به الحركة الفكرية في القرن الرابع الهجري ظهور مذهب الشيعة يحمل بين ثناياه الكثير من الأفكار الشرقية القديمة ويجعلها مكان بعض الأفكار الإسلامية وقد كان فللإسماعيلية دور كبير وخطير في حمل هذه الأفكار ومزجها بالعقائد الإسلامية (فالضلال لم يتفشى في العالم الإسلامي بقدر ومثل ما تفشى بسبب الفرق الشيعية وما غير السنن إلا المتشيعون الذين دخلوا الإسلام لهدمه وتقويض أركانه) (?).
ومن البديهي أن يكون لأتباع الحركة الباطنية أهدافا مرسومة وغايات بعيدة من وراء زرع هذه الأفكار في العالم الإسلامي من أهمها إزالة هالة الخوف والقداسة عن العقائد الإسلامية ومناقشتها ووضعها تحت مجهر العقل والحس من قبل أصحاب النفوس المريضة التي نافقت الإسلام ودخلت به رياء ونفاقا أو خوفا وبذلك شجعت الحركة الباطنية أصحاب تلك النفوس للزنادقة والمجوس والفلاسفة الصابئة وغيرهم من الذين كانوا يتربصون الفرص للنيل من الإسلام والمسلمين.
وهكذا نلاحظ وبعد فترة من ظهور هذه الحركة أنها مهدت الطريق لأمثال الفارابي وابن سينا والكندي والمعري وغيرهم ليتجرأوا ويجاهروا بكفرهم وفلسفتهم الأفلاطونية الوثنية.
ولم يقف الأثر الفكري للحركة الباطنية عند هذا الحد بل أوجدت لها أثرا واضحا على الصوفية والصوفيين بأفكارها وعقائدها الفلسفية ويبدو أن عملية المطاردة لأتباع الفرق الباطنية جعلت الكثير منهم يختفون في حلقات الصوفيين وهذا كان له أثر خطير على أفكار الصوفية فظهر منهم الغلاة المتأثرون بأفكار الإسماعيلية وفلسفتها الذين زعموا وحدة الوجود والاتحاد بالمعبود ولم يكن لهم أي اهتمام بالأديان ولا بالإسلام أمثال الحلاج وابن العربي والسهروردي والبسطامي وغيرهم.