وما بعده من الأبيات التي مضمونها إخلاص الدعاء واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات وأعظم الاضطرار لغير الله، فناقضوا الرسول صلى الله عليه وسلم بارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقضة، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة، وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وأظهر لهم التوحيد والإخلاص الذي بعثه الله به في قالب تنقيصه، وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون، أفرطوا في تعظيمه بما نهاهم عنه أشد النهي، وفرطوا في متابعته فلم يعبؤوا بأقواله وأفعاله، ولا رضوا بحكمه، ولا سلموا له، وإنما يحصل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بتعظيم أمره ونهيه، والاهتداء بهديه، واتباع سنته والدعوة إلى دينه الذي دعا إليه، ونصرته، وموالاة من عمل به، ومعاداة من خالفه، فعكس أولئك المشركون ما أراد الله ورسوله علماً وعملاً، وارتكبوا ما نهى الله عنه ورسوله؛ فالله المستعان" انتهى كلامه رحمه الله.
وذكر الشيخ سليمان بن عبدالله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد) قول البوصيري:
إن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
ثم قال "فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وكل ذلك كفر صريح!
ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته عليه السلام وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين، لابد أن يمزج الحق بالباطل؛ ليروج على أشباه الأنعام، أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق".
إلى أن قال: "وبالجملة؛ فالتعظيم النافع هو: التصديق بما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده، والرضى بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله، فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم؛ قبله، وما خالفها؛ رده، أو تأوله، أو أعرض عنه" انتهى.
¤الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 65 - 68