مقصوده بأذكار الأولياء الأوراد التي يعطيها شيوخ التصوف أتباعهم ويسمونها أوراداً، وهي حبال يربطون بها أتباعهم، وقد أخذت أحد هذه الأوراد وهو ورد الطريقة التيجانية وبقيت فيه تسع سنين، وفي السنة الأخيرة صرت مقدما، وبعد انقضاء تسع سنين سافرت من وجدة إلى فاس لزيارة قبر الشيخ أحمد التيجاني واعتكفت عنده ثلاثة أيام وأنشدته ثلاث قصائد، طلبت منه فيها خير الدنيا والآخرة، وكان ذلك في أوائل ربيع الأول سنة 1338هـ. وبعد ذلك جمعني الله تعالى بأستاذي شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي الذي أخرجني الله بدعوته من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد والسنة، فإن قلت: وهل أخذ الورد يسمى شركاً؟ فالجواب: سأحكي لك كيف أخذت الورد وتول أنت الحكم. كان عمري حين أخذت الورد عشرين سنة فتوجهت إلى الشيخ عبدالكريم المنصوري وقلت له أريد أن تعطيني ورد الطريقة التيجانية فذهب بي إلى مكان بعيد من السوق وجلسنا على الأرض وقال لي: أبشر بخير فإن هذا الورد فيه فضائل كبيرة، منها: أن صاحبه إذا داوم عليه إلى الموت يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، هو ووالده وأولاده وأزواجه، والحفدة، وهنالك فضائل أخرى ستجدها في كتب الطريقة، فقال لي: إذا جلست لذكر الورد يجب أن تكون على طهارة تامة. طهارة الحدث، وطهارة الخبث، وأن تجلس كجلوسك للتشهد، مستقبل القبلة، ولا تتكلم في أثناء الذكر، وإن غمضت عينيك فهو أحسن، وتصور أمامك صورة الشيخ أحمد التيجاني، ووجهه، أبيض مشرب بحمرة، ولحيته بيضاء، وعلى رأسه عمامة، وتصور أن عمودا من النور يخرج هن قلبه ويدخل قلبك، وهذا يسمونه الاستمداد، وهذا العمود الذي زعم أنه يخرج من قلب الشيخ ويدخل في قلبي ينور القلب ويشرح الصدر، ويثبت الإيمان وهذا كفر، لأن من اعتقد أن هداية القلوب يقدر عليها ملك، أو نبي، أو صالح، فهو كافر. ومن المعلوم أن أبا طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب من حين كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين إلى أن صار عمره خمسين سنة، وتحمل الشدائد والآلام والجوع والمقاطعة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك حين حضرته الوفاة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ووجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية، فدنا منه وقال له يا عم: قل: "لا إله إلا الله كلمة أحاج له بها عند الله". فقال له الرجلان المذكوران وهما من شرار كفار مكة: أترغب عن دين عبدالمطلب؟ يعنيان: كيف تترك دين أبيك وأسلافك وتدخل في دين جديد وأنت سيد قريش؟ فكلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ((يا عم: قل: لا إله إلا الله)) أعادا عليه مقالهما. فكان آخر كلامه هو أن قال: هو على دين عبدالمطلب. فمات كافراً. فحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مات كافراً، فأنزل الله تعالى عليه قوله إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56]. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) فاستغفر له حتى أنزل الله تعالى عليه من سورة التوبة: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] فترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار لعمه (?).

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يدخل الهداية في قلب عمه الذي هو صنو أبيه، كيف يستطيع شيخ الطريقة أن ينوّر بذلك العمود المكذوب قلب المريد؟ فمن زعم أن غير الله تعالى- وإن كان ملكا أو نبيًّا- يقدر على هداية القلوب فهو كافر، مشرك".

¤الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص51 - 55

طور بواسطة نورين ميديا © 2015