بيّنّا فيما مضى بعض الأهداف التي ندرس الفرق من أجلها، ونجيب هنا عن شبهة لكثير من الناس ربما يرددها بعضهم منخدعاً بحسن نية، والبعض الآخر يرددها بنية سيئة.
وهي: لماذا نشغل أنفسنا بدراسة فرق انتهت، وربما لم يعد لها ذكر على الألسنة ... وقد رد العلماء عليها قديماً وحديثاً وانتهى الأمر؟
والجواب: إن هذا التساؤل قد انطوى على مغالطات خفية ونية سيئة، أو جهل شنيع، وذلك:
أولاً: إن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسي تلك الفرق ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر.
فإننا إذا نظرنا إلى فرقة من تلك الفرق الماضية نجد أن لها امتداداً يسري في الأمة سريان الوباء.
وأقرب مثال على ذلك فرقة المعتزلة، أليس أفكارهم لا زالت حية قوية يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغربية أو الشرقية، فراحوا يمجدون العقل ويحكمونه في كل الأمور، ويصفون من يعتمد على ما وراء ذلك بالتأخر والانزواء.
إنهم يريدون الخروج عن النهج الإسلامي ولكنهم لم يجرءوا صراحة على ذلك، فوجدوا أن التستر وراء تلك الآراء التي قال بها من ينتسب إلى الإسلام خير وسيلة لتحقيق ذلك، فذهبوا إلى تمجيد تلك الأفكار لتحقيق أهدافهم البعيدة.
ثانياً: مما هو معلوم أن كل الأفكار والآراء التي سبقت لها أتباع ينادون بتطبيقها، فالنزعة الخارجية وتنطع أهلها في الدين، واستحلال دماء المسلمين لأقل شبهة، وتكفيرهم الشخص بأدنى ذنب - قائمة الآن في كثير من المجتمعات الإسلامية على أشدها، موهمين الشباب ومن قلت معرفته بالدين أن الدين هو هذا المسلك فقط.
كذلك نرى الصوفية وقد اقتطعت من المسلمين أعداداً كثيرة، مثقفين وغير مثقفين، جَرَفَهُم التيار الخرافي فراحوا ينادون بالجهل والخرافات، واتباع المنامات، وتحضير الأرواح، ومعرفة المغيبات، وتعظيم الأشخاص والغلو فيهم.
وغير ذلك من مسالك الصوفية التي سندرسها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا، فدراستنا هذه وإن كانت في ظاهرها دراسة للماضي، ومراجعة للتاريخ لفرق المبتدعة الذين جَنَوا على ماضي المسلمين إلا أنها دراسة حاضرة كذلك من حيث إنها تكشف جذور البلاء الذي شتت قوى المسلمين وفرقهم شيعاً، وجعل بأسهم بينهم شديداً، بل هي نور يضيء لشبابنا طريقه وسط هذا الظلام الفكري المفتعل، الذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام وشانئيه بتوجيه الأنظار إلى تلك الفرق التي تعمل في الظلام لنشر أفكارها، وفرض مخططاتها المعادية للإسلام. ثالثاً: إن دراسة الفرق والدعوة إلى الاجتماع واتحاد كلمة المسلمين -فيه تكثير لعدد الفرقة الناجية بانضمام أولئك الخارجين عن الحق ووقوفهم إلى جانب إخوانهم أهل الفرقة الناجية؛ فيكثر عددهم فيصح فيهم ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام فرقة من المسلمين: ((ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك)) (?) وتَرْكُنا لدراسة الفرق يفوِّت علينا هذا الخير العظيم.
رابعاً: أضف إلى ذلك أن ترك الناس دون دعوة إلى التمسك بالدين الصحيح، ودون بيان أضرار الفرق المخالفة، فيه إبطال لما فرضه الشرع من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الفرق التي ظهرت، ما من فرقة منها إلا وقد قامت مبادئها على كثير من المنكرات، وهي تدعي أنها هي المحقة وما عداها على الضلال، فألبسوا الحق بالباطل، وأظهروا مروقهم وخروجهم وفجورهم عن منهج الكتاب والسنة في أثواب براقة لترويج بدعهم، والدعوة لها.