ثم إن الشيخ أنور شاه الكشميري قد فصّل في هذا الموضوع، وصرح بإمكان رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة، وأنها رؤية متحققة، وإنكارها جهل، وجاء لذلك بروايات وحكايات وتأويلات غريبة، وفيما يلي النص بكامله:"ثم التحقيق أن رؤيته صلى الله عليه وسلم لا يتعين في رؤية عين الذات المباركة فإن الأحوال في رؤية الشخص مختلفة فربما نرى شخصاً من الأحياء ولا يكون له علم برؤيتنا ولو كان في المنام عين ما في الخارج لكان عنده شعور بها، فالمرئي إذا والله تعالى أعلم قد يكون صورة مخلوقة لله تعالى على مثال تلك الصورة أي أنه تعالى يخلق حقيقة على مثال صورته وروحانيته أرانا إياها وأوقع في نفسنا مخاطبتها إياها، وقد تكون روحه المباركة بنفسها مع البدن الثاني. ثم قد تكون يقظة أيضاً كما أنها قد تكون مناماً، ويمكن عندي رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة لمن رزقه الله سبحانه كما نقل عن السيوطي رحمه الله تعالى (وكان زاهداً متشدداً في الكلام على بعض معاصريه ممن له شأن) أنه رآه صلى الله عليه وسلم اثنين وعشرين مرة وسأله عن أحاديث ثم صححها بعد تصحيحه صلى الله عليه وسلم، وكتب إليه الشاذلي يستشفع به ببعض حاجته إلى سلطان الوقت وكان يوقرّه فأبى السيوطي رحمه الله تعالى أن يشفع له وقال إني لا أفعل وذلك لأن فيه ضرر نفسي وضرر الأمة لأني زرته صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا أعرف في نفسي أمراً غير أني لا أذهب إلى باب الملوك فلو فعلت أمكن أن أحرم من زيارته المباركة فأنا أرضى بضررك اليسير من ضرر الأمة الكثير. والشعراني رحمه الله تعالى أيضاً كتب أنه رآه صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه البخاري في ثمانية رفقة معه ثم سماهم وكان واحد منهم حنفياً وكتب الدعاء الذي قرأه عند ختمه. فالرؤية يقظة متحققة وإنكارها جهل. ثم عند مسلم في لفظ آخر ((فسيراني في اليقظة)) (?) ولعله حديث آخر ومضمون آخر يقتصر على حياته صلى الله عليه وسلم وفيه تبشير بالصحابية لمن كان رآه في المنام ولكن الراوي شك فيه وقال أو فكأنما رآني، فوقع التردد في أنهما حديثان أو واحد. ونقل العيني رحمه الله تعالى فيه زيادة أخرى "فإني أرى في كل صورة" وهي تضر الطائفة الأولى فإنها تشعر بالتعميم وأن لا تخصيص بحلية دون حلية. أقول وظاهر حديث البخاري يومئذ الطائفة الأولى سيما إذا كان من لفظه ((فإن الشيطان لا يتكونني)) (?)، وحينئذ صرف هذه الزيادة عن ظاهرها أولى فإنها لا توازي حديث البخاري وشرحها عندي دفع استبعاد: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في المنام هو ولم يتمكن الشيطان من تمثله فكيف تكون رؤيته في زمان واحد لأشخاص عديدة في أمكنة كذلك، والجواب أنه ممكن لأنه يرى في كل صورة أما أن تكل صورة مثالية أو عينه صلى الله عليه وسلم فهو تابع لمنامه قد تكون كذا وقد تكون كذا.
¤الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 233 - 238