وحمل لواء الإسلام لإقامة دولة إسلامية في جزء من الأراضي الهندية لتنفيذ الشريعة الإسلامية الغراء بحذافيرها وكان مجدداً للدعوة الإسلامية الصحيحة ومحييا الطريقة السلفية المستقيمة التي اختفى صوتها منذ قرون واضمحلت وتلاشت تحت البدعات المتراكمة والخرافات المكدسة وتغيرت بالطريقة الخلفية الخبيثة حتى صارت القبور تعبد وتسجد إليها وعليها والمساجد خربت من الهدى والهداة وخلت من العباد والرواد، والتكايا عمرت وازدهرت، وعبادة الله وحده تركت، وحدود الله عطلت، وشريعة الله نبذت، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غلبت بأقاويل الرجال وأفعال المتصوفة الجهلة، واشتريت الضلالة بالهدى واختيرت الظلمة بالنور، فقام وقاوم وجاهد بقلمه ولسانه وبيده وسيفه، فأخرج الكتاب وبدأ يعلمه ويفسره ويوضحه ويبينه، ودعا الناس إلى الهدى بنوره والتمسك بتعاليمه بعد أن كان مغلفا في الغلف الحريرية وموضوعا للتبرك والتقبيل أو الحلف واليمين، فكتب في ضوء الكتاب كتابه المشهور (تقوية الإيمان) داعيا الناس إلى عبادة الله وحده والتوحيد الخالص والاجتناب عن الشرك والاستغاثة بغير الله من المشايخ وأصحاب القبور، ومنع الناس عن النداء لغير الله والحلف به ودعاهم إلى الكتاب وإلى مبين الكتاب محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ونبذ التقليد الآبائي والجمود المذهبي كما دعاهم إلى ساحة القتال لإعلاء كلمة الله ورفع رايته وإقامة الدولة الإسلامية يحكم فيها بكتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وارتحل هو وذووه وتلامذته وملبوا دعوته إلى ساحة الجهاد، فكان وكانوا يقاتلون في سبيل الله ويعرضون أنفسهم على الأسنة والسيوف آناء النهار، ويقومون بالدرس والتدريس لكتاب الله القرآن المجيد وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم آناء الليل فلما جنح الليل تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ولما أسفر الصبح يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، فكانوا قوامين بالليل صوامين بالنهار، وهم كانوا مصداق قول الله عز وجل، إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 111].
وكفروا بعده وريث دعوته وجهاده المحدث الجليل والعالم النبيل شيخ الطائفة المنصورة في عصره الرباني من سلالة الرسول الشريف نذير حسين الدهلوي الذي حمل لواء السنة في شبه القارة الهندية الباكستانية، وبدد غيوم الجهل والضلالة ونوره بنور الكتاب والسنة، وجلس مسند الشاه ولي الله الدهلوي ونقح تعليماته وهذب وجدد شوق الهنديين إلى الكتاب والسنة بعد ما أعرض عنهما الجامدون وطووا عنهما كشحا، وأحيا العمل بالحديث بعد ما طال الأمد على تركه، ونشط وأنشط تلامذته في نشر الحديث الشريف في ربوع هذه القارة، وبلغ صيته وشهرته الآفاق، وتفوه العالم بروح وريحان السنة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام حتى قال أحد علماء مصر السيد رشيد رضا. ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق (?).بعدما كتب: حتى أن من المقلدين الجامدين من لا يرى لهذه الكتب فائدة إلا التبرك بها والصلاة على النبي عند ذكره وذكرها (?).