ولقد حكى القوم حكايات باردة طويلة عريضة في هذا الموضوع، وأثبتوا أن جميع الأولياء فضلا عن الأنبياء والرسل يعلمون الغيب وحتى العامة وحتى حيواناتهم، ونسجوا أساطير كثيرة في ذلك أعاذنا الله منهم ومنها.
فهذه هي عقيدة القوم في علم الغيب الذي يثبتونه لغير الله وذلك ما قال الله عز وجل وقال رسوله صلوات الله وسلامه عليه:
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النحل: 77]
ولَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف: 26]
وإِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
ويَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]
وقُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]
وقال جل وعلا منبها إياه ومخبرا الخلق أنه لا يعلم الغيب:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم: 1].
ونفى عنه الغيب في قوله:
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: 101]
وقال جل وعلا:
عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة: 43]
كما نفى الغيب عن الرسل قاطبة حيث قال:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109]
كما نفى الغيب عن ملائكته بقوله:
قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32]
والوقائع والشواهد في هذا كثيرة لا تحصى في الكتاب والسنة من الأنبياء والمرسلين من آدم إلى نوح ومن الخليل إلى الكليم ومنه إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والسيرة النبوية وأحوالها مليئة بالأمور التي تقطع جازما بأنه لم يكن يعلم الغيب وإلا فلم يحدث تلك الحوادث التي حدثت كشهادة القراء في بئر معونة وبيعة الرضوان ووقعة الإفك وتأبير النخل وحادثة العرنيين وغيرها من الوقائع والحوادث الكثيرة الكثيرة، ولكن القوم يصرون على أن الأنبياء والأولياء ليعلمون الغيب وحتى البريلوي حيث قالوا: إن أحمد رضا البريلوي كان يعرف يوم موته ووقت موته بالتحديد" (?).ولم يفعلوا هذا إلا لأن يؤلهوا البشر ويرفعوه إلى حد ليس له أن يرفع إليه، لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله)) (?).
وقال: لا تطروني كما اطرأت النصارى عيسى بن مريم" (?). ((ولما قالت جارية في المدينة: وفينا نبي يعلم ما في غد: أنكر عليها وقال صلى الله عليه وسلم: دعي هذا، وقولي ما كنت تقولين، لا يعلم ما في غد إلا الله)) (?).صدق الله جل وعلا وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذب من قال خلاف ذلك كما قالت الصديقة بنت الصديق زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عاشرته، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من حدثك أنه "صلى الله عليه وسلم" يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب إلا الله) (?).