وهكذا فالنقشبنديون متفقون على استحسان هذه العبارة لأنها توافق أعظم غاية الطريقة وهي: الفناء في ذات الله وتحقيق الوحدة بين العابد والمعبود فيصير الرب عبدا والعبد ربا. ويقول مولاهم الجامي «لقد أراد الحلاج بهذه العبارة حقيقة نفسه وحيث قال فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]: أراد به صورة نفسه» (?)!. فهكذا دائما: كتبهم مملوءة بإشارات وتصريحات وحدة الوجود. وجاء في كتاب (الإيمان والإسلام) للشيخ خالد البغدادي النقشبندي (ص 92) فصلا بعنوان «السلفيون» يظهر أن ملتزم الطبع ألحقه به وفيه يذكر تبديع ابن تيمية لبعض الأئمة قال: «كما تتبع ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين وتتبع أيضا الحلاج ولا زال يتتبع الأكابر حتى تمالأ عليه أهل عصره ففسقوه وبدعوه بل كفره بعض منهم» (?).

فالنقشبنديون يزعجهم طعن ابن تيمية في الحلاج وابن عربي وابن الفارض الذي كان يتغزل بالله بأبيات الشعر ويكنيه بالأنثى.

موقفهم من قول أبي يزيد: سبحانيوكذلك استحسن النقشبنديون قول أبي يزيد: «سبحاني ما أعظم شأني» (?).

ولم ينكروا هذا القول أو يستنكروه، بل أثبتوه على أنه نهاية ما يحصل للسالك إلى الله الفاني به. وقد زعموا - خوفا من السوط أو السيف - أن هذا القول خطأ ووهم يحصل للعبد عند بلوغه قمة الوصول إلى الله. والإسلام لا يعرف عبادة تنتهي بصاحبها إلى التلفظ بالكفر وادعاء الألوهية. وذكرت كتبهم أنه صلى بالناس الفجر ثم التفت إليهم فقال: «إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني. فتركه الناس وقالوا: مجنون، مسكين» (?).وجاء إلى بيته رجل فدق بابه فقال أبو يزيد: من تطلب؟ فقال الطارق: أريد أبا يزيد. فقال له أبو يزيد: ليس في البيت غير الله (?).وحكى السرهندي الفاروقي شيخ النقشبنديين أن أبا يزيد قال: «لوائي أرفع من لواء محمد» وعذره السرهندي لأنها مقولة سكرية قالها أبو يزيد في حالة سكره بالله (?).وحكوا أيضا أنه قال: «إن لله علي نعما منها أني رضيت أن أحرق بالنار بدل الخلق شفقة عليهم» (?). وقوله: «الناس يفرون من الحساب وأنا أتمناه لعله يقول لي: يا عبدي فأقول: لبيك. فيفعل بي ما يشاء» (?).

وهذا مبدأ الفداء والكفارة وقبول التعذيب نيابة عن الخلق مقتبس من عقيدة النصارى نجده عند النقشبندية يروونه عن أبي يزيد. ونجده عند الرفاعية الذين نسبوا إلى شيخهم الرفاعي أنه قبل أن يعذب كفارة عن خطايا الخلق. فالنصارى تقول: «يسوع الذي صلب ومات لأجلنا وهو الآن يتردى في جهنم ليخلصنا ويضحي بنفسه من أجلنا» (?). وقال فليبس: «يسوع الذي تألم لخلاصنا وهبط إلى الجحيم».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015