وذلك بحجج هي أقبح من الصوفية، وهي متعددة، لكن أبرزها وأبشعها حجتان:
1 - قول من يقول: لا تفرقوا صفوف المسلمين. يقولها لمن يشرح للناس خطر الصوفية ويبين زيفها وضلالها؟!
والجواب على هذه الحجة الفاسدة هو قوله سبحانه: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103]، أي: إن جمع الصفوف يكون بالاعتصام بالقرآن والسنة اللذين هما حبل الله، وتفريق الصفوف يكون بالابتعاد عنهما.
وهذا الذي يقول لدعاة الحق: لا تفرقوا صفوف المسلمين، إنما يقدم العون الأكبر لاستشراء الداء وتفريق المسلمين وتمزيقهم، كما هو حاصل؛ وهو داخل في زمرة الموصوفين بالآية الكريمة: كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79].
2 - قول من يقول: لا تكفر مسلماً! كيف تكفر رجلاً يشهد أن لا إله الا الله؟
والجواب على هذه الحجة الفاسدة هو أولاً: أن المسألة ليست مسألة تكفير مسلم، وإنما هي مسألة بيان الحق من الباطل والهدى من الضلال، ثم إن كل البلاء الذي أصاب الأمة ودمرها، جاء في الأساس على يد أناس يشهدون أن لا إله إلا الله ويضمرون ما يضمرون، وأكثرهم- إن لم يكونوا كلهم- مخلصون فيما جاءوا به ويعتقدون أنه الحق.
كما أن الواجب على المسلم أن يعرف الحق أولاً، كما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (اعرفوا الحق تعرفوا أهله)، وطبعاً، إذا عرفنا الباطل نعرف أهله أيضاً، ويجب أن نعرفه لنعرفهم.
قد كان من واجب علماء المسلمين أن يدرسوا الصوفية دراسة واعية ثم ينبهوا الأمة إلى خطرها؛ لكن الذي حصل أن فطاحل العلماء كانوا لا ينظرون إلا إلى ظاهرها وإلى عباراتها المتداولة دون محاولة لتفهم حقيقة معانيها ومراميها، فما كان واضح الدلالة على وحدة الوجود، أي ما كان من عبارات الوحدة المطلقة، حكموا عليه بالكفر، وما كان غامضاً أولوه التأويل الحسن بحجة عدم تكفير المسلم؛ ولأنهم لم يحاولوا دراسة الصوفية بعمق، ولم يتنبهوا إلى تواصيهم بالتقية وكتمان السر عن غير أهله، وأن هذا السر كفر وزندقة!
وعدم دراستهم للصوفية جعلهم يرتكبون أخطاءً كان لها دور واضح في بقاء مسيرة التصوف لتفعل فعلتها التي فعلت، ومن هذه الأخطاء:
قولهم: إن في المتصوفة من يؤمن بوحدة الوجود، ومنهم من يقول بالاتحاد أو بالحلول، وفيهم الأتقياء الذين يسيرون على منهج الصوفية الحقة التي لا تؤمن بهذه الأمور.
وطبعاً؛ هذا كلام خطأ كله، فالصوفية مذهب واحد، وعقيدتها هي وحدة الوجود، ولا يوجد بين متصوفة المسلمين من يقول أو يعتقد بالاتحاد أو الحلول، (لا يوجد ولم يوجد)، كما أن الذين لا يعرفون وحدة الوجود بينهم هم السالكون الذين لم يبلغوا بعد محل ثقة الشيخ.
ومن هذه الأخطاء قولهم: إن في المتصوفة من يقول بالحقيقة المحمدية، ومنهم من لا يقول بها! وهذا خطأ كله؛ فالمتصوفون كلهم، حتى السالكون المبتدئون، تشرح لهم الحقيقة المحمدية ويؤمنون بها، وقد يسمونها أسماء أخرى، مثل: (أسبقية النور المحمدي، أو أول خلق الله ... ).
وقد استغل المتصوفة هذا الموقف، وصاروا كلهم يقولون عن أنفسهم وعن مشايخهم وأتباعهم وأمثالهم: إنهم على الصوفية الحقة، ثم ينهالون بالشتائم على الدخلاء على الصوفية وعلى المبتدعة الذين يقولون بالحلول والاتحاد، أو الذين يقولون بالوحدة المطلقة (أي: غير المقيدة بالرمز واللغز).
وهكذا بقيت مسيرة التصوف، وأوصلت الأمة إلى ما نراه الآن، مع العلم أنها الآن أقل سيطرة بكثير مما كانت عليه في قرون سابقة.