الإخلاص مطلب أساسي، لكن نسأل: الإخلاص لماذا؟ هل نخلص لما نتوهمه أنه الحق؟ إن هذا النوع من الإخلاص ليس إسلامنا؛ لأن الإسلام يأمرنا أن نعرف الحق أولاً بالأسلوب العلمي الصحيح، ثم نخلص في أقوالنا وأعمالنا وكل سلوكنا لهذا الحق. والخشوع أيضاً مطلوب، لكن كيف يكون؟ وفيم؟ إن كانت العقيدة فاسدة فالخشوع ضغث على إبالة، وإن كانت العبادة غير صحيحة، فالخشوع فيها رزء فوق رزء، وإن كان العمل الدنيوي في اتجاه معكوس أو منحرف فالخشوع يزيد الطين بلة، إن الوثني التقي يخشع أمام وثنه وفي عبادته، فهل ينفعه خشوعه؟ والماركسية الزاحفة يعجبها كثيراً أن نعمل على إيقافها بالخشوع، وبقراءة البخاري جماعة في المساجد.

وزيادة في التوكيد، نضيف كلمة أخرى لأبي الحسن الندوي عن حالة المسلمين التي كانوا عليها في القرون الأخيرة، يقول: ... لا بد أن نشير إلى أن ذلك الوسط والعهد (القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين) ... كان التصوف فيهما قد تغلغل في أحشاء المجتمع الإسلامي، وامتزج بلحمه ودمه، حتى أصبح التصوف له طبيعةً وذوقاً، وسمةً وشعاراً ... بل كانت العامة لا تعبأ بعالم أو مرب أو مصلح، ولا تقيم له وزناً، ولا تعتقد فيه الخير والصلاح، ولا تنتفع بمواعظه وكتاباته، ما لم يكن له إلمام بالتصوف والسلوك، ويكون قد صحب بعض المشايخ المعروفين، وانخرط في سلك بعض الطرق السائدة المقبولة في الناس (?).

ويقرر في كتاب آخر ناقلاً:

... في القرن الثامن عشر (الميلادي)، كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دركه، فارْبَدَّ جَوُّهُ، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي.

واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال ... وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها، وينشئون حكومات مستقلة، ولكن مستبدة كحكومة الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقاً فوق إرهاق، فغلّت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بواراً شديداً، وأهملت الزراعة أيما إهمال. وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون (والحشيشة)، في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات من غير خشية ولا استحياء (?). اهـ.

يقول أبو الحسن الندوي عند إيراده (مقرراً) هذا النص: إنه لا يتحمل مسؤولية صحته مائة في المائة.

ونجيبه: تأكد يا أستاذنا أنه صحيح مائة في المائة، وأن الإسلام يعيش غربته منذ قرون طويلة.

وثنية الأمير:-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015