ومظاهر التقوى والورع التي يتحلى بها كثير من الصوفية جعلت، وتجعل، الناس يثقون بهم ويأخذون عنهم، مع العلم أن التقوى والورع والزهد ولواحقها لا تدل على صحة العقيدة! فكل المؤمنين المخلصين لدينهم، في كل الأديان، يكونون أتقياء ورعين زاهدين ...

ونعرف أن متصوفة المسلمين يدينون بالطريقة البرهانية التي مزجت الإشراق بالإسلام، فهم يؤمنون بها، والمخلص منهم ينتهج الإسلام والإشراق معاً.

ولا بأس هنا من عرضٍ يعرض على علماء الحديث، لا أظنهم ناجين من السؤال عنه أمام التاريخ على الأقل، بعد إذ تبين لهم الحق.

هذا العرض هو مراجعة كتب الرجال، والبحث في الرواة عن الشيوخ الكمل الذين تمكنوا من مقام الفرق الثاني، فلم يظهر في سلوكهم وأقوالهم ما يدل على ما في قلوبهم، أي: وصلوا إلى تطبيق القاعدة: اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً. والتي عبر عنها الجنيد بعبارة: مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهي عنه تطبيقاً تاماً.

وأعتقد أن بحثاً جاداً في هذا المجال، إن كان مخلصاً، لا يبتغي إلا رضا الله سبحانه، والوصول إلى الحق، سوف يخلص كتب الرجال من إشكالات واردة فيها، وهذه الإشكالات رغم قلتها، لكنها هامة، من ذلك مثلاً، نرى بعض الرجال موثقاً عند عالم ثقة، ومضعفاً عند مثله، وقد وضع علماء الحديث قواعد دقيقة لحل مثل هذه المشكلة، وهذه قاعدة تضاف إليها قد يكون لها القول الفصل في كثير من الأحيان أو في بعضها.

ومن ذلك مثلاً أن قسماً من الأحاديث الضعيفة، يمكن أن يدرج بعد هذه الدراسة تحت عنوان (المكذوبات).

ومن ذلك مثلاً ما يبدو بعض الأحيان من تناقض ظاهري بين حديثين صحيحين، وقد وضع علماء الحديث عشرات القواعد الدقيقة لحل مثل هذه المشكلة، وهذه قاعدة تضاف إليها، قد يكون لها القول الفصل في كثير من الأحيان أو في بعضها.

ولست أدري، هل أكون مصيباً أو مخطئاً إذا قلت بوجوب إعادة النظر بمثل أبي نعيم الأصفهاني و (حليته)، وذلك بدراسة دقيقة من قبل أكثر من عالم حديث، شريطة أن يكونوا كلهم، على معرفة كاملة واضحة بالكشف والرؤى الكشفية، وكيف يمكن أن يذهب المكاشف إلى مسجد (مثلاً)، فيرى فيه شيخاً معيناً وتلاميذ يطلبون العلم عليه، فيجلس معهم، ويكتب ما يمليه الشيخ، ثم يعود إلى بيته، وفي كراسته علوم جديدة، بينما كان ذلك المسجد، في حقيقة الأمر، خالياً إلا من هذا المكاشف الذي رأي الشيخ وتلامذته بوهم كشفه، وسيقسم هذا المكاشف اليمين تلو اليمين أن ما كتبه كان سماعاً من الشيخ المعين بحضور تلاميذه أو بدون حضورهم (حسب الكشف).

وذلك لأن المكاشف كثيراً ما يختلط عليه الأمر، فلا يفرق بين الرؤى الكشفية والواقعية، وقد رأينا في فصل سابق مئات الأمثلة على ذلك، إضافة إلى عشرات الأمثلة المتفرقة بين الفصول.

ومن إفسادهم في الحديث تزوير معانيه بالتفسير الإشاري، وقد رأينا في ثنايا الكتاب أمثلة منها، ومن يريد الزيادة فأمامه كتبهم، وعلى رأسها (إحياء علوم الدين).

واقع الحياة والوجود:-

إن واقع الحياة والوجود قائم كما أراده الله، متحرك بسننه تعالى في خلقه التي لا تبديل لها ولا تحويل، والتي يسمونها في لغة العصر الحديث (القوانين الطبيعية)، فلا يستطيع مخلوق إفساد شيء منه إلا في إطار الحدود التي قدر الله سبحانه أن يكون هذا المخلوق القدرة على التصرف فيها، وهي لا تزيد عن عمليات نقل للأشياء أو لأجزاء منها من مكان ووضعها في مكان ملائم، أو غير ملائم، وكل ما صنعه الإنسان، وما يصنعه، لا يخرج عن هذا قيد شعرة، وكان إفساد الصوفية في هذا المجال بإفساد فهم الواقع وتفسيره، وبإفساد أساليب التعامل معه، وفي وضع الأمور في غير مكانها الصحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015