فهذه آراء بعض الكتاب الباحثين الذين كتبوا عن التصوف وكما هو واضح أمامنا فقد أثبتوا تأثر المتصوفة بالفكر اليوناني الوثني ومما ينبغي أن يعلم أن هؤلاء الكتاب الذين نقلت عنهم هذه الأقوال إما متصوفة بحت وإما من الموالين لهم والمدافعين عنهم إلا شيخ الإسلام ابن تيمية. وقد صرح كثير من الكتاب بتأثر المتصوفة بالفكر اليوناني الوثني ومنهم المستشرق نيكلسون فقد قال مقررا تأثر المتصوفة بالفكر اليوناني: (وقد كان لمصر والشام دائما الصدارة بين الأمم التي انتشرت فيها الحضارة اليونانية وهما البلدان ظهر فيهما التصوف لأول مرة بمعناه الدقيق ... والرجل الذي اضطلع بأكبر قسط في تطور هذا النوع من التصوف هو ذو النون المصري الذي وصف بأنه حيك كيمائي أو بأنه بعبارة أخرى أحد أولئك الذين نهلوا من منهل الثقافة اليونانية فإذا أضفنا إلى هذا أن المعاني التي تكلم فيها ذو النون هي في جوهرها المعاني التي نجدها في كتابات يونانية مثل كتابات (ديونيسيون) وليس عندي من شك في أن المذهب الغنوصي بعدما أصابه من التغيير والتحوير على أيدي مفكري المسيحية واليهودية وبعد امتزاجه بالنظريات اليونانية كان من المصادر الهامة التي أخذ عنها رجال الصوفية والغنوصية مواضع اتفاق كثيرة هامة ولا شك عندي أيضا في أن دراسة هذه المسألة دراسة دقيقة وافية لما يأتي بأطيب الثمرات ولكني على يقين من أننا إذا نظرنا إلى الظروف التاريخية أحاطت بنشأة التصوف استحال علينا أن نرد أصله إلى عامل هندي أو فارسي ولزم أن نعتبره وليدا لاتحاد الفكر اليوناني والديانات الشرقية أو بمعنى أدق وليد اتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة والديانة المسيحية والمذهب الغنوصي (?).
والخلاصة بعد أن أوردنا نصوصا عديدة عن الصوفية أنفسهم التي مدحوا فيها فلاسفة اليونان وأوردنا أقوال بعض الباحثين الذين كتبوا عن التصوف قديما وحديثا والذين أثبتوا كلهم تأثر الصوفية بالفكر الفلسفي اليوناني نقول إن تأثر الصوفية بالفكر اليوناني الوثني كان من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف الصوفية عن الطريق القويم في العقيدة والعبادة والسلوك وذلك لأنهم ابتغوا الهدى في غر الكتاب والسنة فوقعوا في متاهات وضلالات وخرافات وبدع عقدية وسلوكية وتعبدية
¤مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس – 1/ 173