الحديث الرابع: عن الأسود العامري، عن أبيه قال: (صلَّيت مع رسول الله الفجر، فلما سلم، انحرف ورفع يديه ودعا) (?) قال العلامة المباركفوري (?): الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كذا ذكر بعض الأعلام هذا الحديث بغير سند، وعزاه إلى المصنف. ولم أقف على سنده. فالله تعالى أعلم. أهو صحيح أو ضعيف؟. انتهي من التحفة. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (?)، وابن حزم في المحلى. وليس فيه: ((ورفع يديه ودعا))، وإنما هو هكذا: حدثنا هُشيم قال: نا يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد الأسود العامري، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله الفجر، فلما سلم انحرف. ولفظ ابن حزم: فلما صلى انحرف. فإذن ليس في الحديث: رفع يديه ودعا. ولو سلمنا بثبوت هذه الجملة فإنها لا تكفي للوفاء بالاستدلال المقصود؛ لأنها ليس فيها الجهر بالدعاء من الإمام، ولا تأمين المأمومين جهراً.
الحديث الخامس: عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن، ثم تنقع يديك - يقول: ترفعهما إلى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب - ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا)) (?). رواه أحمد والترمذي. وفي رواية للترمذي: فهو خداج. قال الترمذي (?): سمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد، فأخطأ في مواضع. انتهي. والحديث ضعيف. فيه عبد الله بن نافع بن العمياء، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: مجهول (?). وحتى ولو فرضنا صحة الحديث، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً كما هو واضح في سياقه وألفاظه.
ثالثاً: ومن أدلتهم أيضاً بعض الآثار التي جاءت عن بعض السلف، فمنها:1 - ما جاء عن عمر رضي الله عنه من أنه كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً (?).
2 - أن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها - كانت تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد.
رابعاً: ومن أدلتهم أيضاً المصالح المترتبة على الذكر الجماعي لأن فيه - كما يرون - مصالح كثيرة، منها:
1 - أن فيه تعاوناً على البر والتقوى، وقد أمر الله بذلك في قوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:]
2 - أن الاجتماع للذكر والدعاء أقرب إلى الإجابة.3 - أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي، وربما لحنوا في دعائهم، واللحن سبب لعدم الإجابة، والاجتماع على الذكر والدعاء بصوت واحد يجنبهم ذلك (?).خامساً: ومما يستدلون به أن هذا العمل عليه أكثر الناس، والغالبية هي الجماعة والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بلزوم الجماعة في غير ما حديث (?).سادساً: أن الذكر على هذه الهيئة وسيلة، والغاية منها عبادة الله، والقاعدة تقول: أن الوسائل لها حكم الغايات والمقاصد (?)، وعبادة الله أمر مطلوب، وعليه فيكون الذكر الجماعي أمراً مطلوباً (?).وأما جوابهم على أدلة المانعين من الذكر الجماعي، فإنهم يرون أن الآثار الواردة عن الصحابة في المنع من الذكر الجماعي، والإنكار على فاعليه، يرون أنها آثار معارضة بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهذه الأحاديث مقدمة على تلك الآثار عند التعارض. قال السيوطي: هذا الأثر عن ابن مسعود (?) يحتاج إلى بيان سنده. ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم؟ وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض (?).
¤الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع لمحمد بن عبد الرحمن الخميس - ص 18 - 27