والحاصل أن العبد يجهل مواقع السعادة، والنفس الجاهلة تتكاسل عن الطاعات لجهلها بأن سعادة الدارين وطاعة الله والاستسلام لأمره ونهيه، قال ابر المبارك رحمه الله إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا، وان أنفسنا لا تكاد تواتينا فينبغي علينا أن نكرهها.
فلطاعة الله عز وجل. حلاوة تتذوقها القلوب إذا باشرتها، وهذه الحلاوة تقصر دونها العبارة، ولا تحيط بها الإشارة قال بعضهم: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وقال غيره: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة.
فتثقل هذه العبادات والتكاليف الشرعية على الذين لم ينالوا من العلم إلا زبد الأفكار وزبالة الأذهان، وتخف على أهل الطاعات الذين زكت نفوسهم، وطهرت جوارحهم، ولقد كان الواحد منهم يثقل عليه خروجه من الصلاة، قال بعضهم: أنا منذ أربعين سنة ما أزعجني إلا طلوع الفجر.
وبكى أحد الصحابة عند موته فسأل عما يبكيه فقال: والله لا أبكي على دنياكم ولا أبكي على فراقكم، ولكن أبكي على طول ظمأ الهواجر، وقيام ليالي الشتاء الطويلة. ويكفيك أيها القارئ الكريم أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حتى تشقق قدماه، وترم ساقاه، فيقال له أتفعل ذلك وفد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول صلى الله عليه وسلم ((أفلا أكون عبدا شكورا)) (?) وكان يواصل صلى الله عليه وسلم وينهي عن الوصال ويقول ((إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) (?) فكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس حالا وأسعدهم بربه وكان يقول: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة)) (?) فتدبر مرة ثانية قول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشمس:9 - 10] واعلم أن هذا الفلاح لأهل الزكاة في الدنيا والآخرة، والخيبة لأهل التدسية في الدنيا والآخرة.