ومن خصائص المسيحية وتعاليمها ترك الدنيا، والتجرد عن المال، والتجوع، وتعري الأجساد والأعراض عن زينة الحياة، المباحة، وتحريم الطيبات باسم الانقطاع إلى الآخرة، ورهبانية ابتدعوها، وتعذيب النفس.
فلقد ورد في الأناجيل عن المسيح أنه قال: (لا تكنزوا كنوزا على الأرض، حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا (?).
ونقل عنه أيضا أنه قال:
(لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال. لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسامكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس. أنظروا إلى طيور السماء أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة، ولماذا تهتمون باللباس، تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها، فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا، أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم قليلي الإيمان، فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، أو ماذا نلبس، فإن هذه كلها تطلبها الأمم.
لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزداد لكم. فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره (?).
وورد في هذا الإنجيل أيضا (أن شابا تقدم إلى المسيح وقال له: أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل به لتكون لي الحياة الأبدية؟.
فأجابه المسيح ببعض الأجوبة ثم قال له: إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك، وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني. فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا، لأنه كان ذا أموال كثيرة. فقال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم، إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات، وأقول لكم أيضا: إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله (?).
وقال أيضا: (وكل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولاداً أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف، ويرث الحياة الأبدية (?).
ونقل عنه أيضا أنه قال: (لا تكنزوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم، ولا مزودا للطريق، ولا ثوبين، ولا أحذية، ولا عصا) (?).
وليس هذا فحسب، بل نقل عنه لوقا في إنجيله أنه جاءه جموع كثيرة سائرين معه، فالتفت إليهم وقال: (إن كان أحد يأتي إلى ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده واخوته وإخوانه حتى نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون لي تلميذا) (?).
وقال أيضا: (فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذا) (?).