ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث الإيراني بقوله: (وحدس (جولدزيهر) يمكن أن يكون صحيحا وهو من الاحتمالات القريبة من الواقع، وقد شوهدت لها نظائر كثيرة - إلى أن قال -: وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري، الواردة في كتب تراجم العارفين مثل (حلية الأولياء) للأصفهاني، و (تذكرة الأولياء) للشيخ العطار وجد شبها عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة) (?).
هذا وهناك أقوال لإبراهيم بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن مواردها ومنابعها، فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية:
ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: (إذا تزوج الفقير فمثله مثل رجل قد ركب السفينة، فإذا ولد له ولد قد غرق) (?).ونقل السهروردي عنه أنه قال: (من تعود أفخاذ النساء لا يفلح) (?).
ونقل أبو طالب المكي - وهو من أعلام الصوفية البارزين وأئمتهم المتوفى سنة 386 هـ - عن قطب من أقطاب الصوفية الأوائل عن أبي سليمان الداراني المتوفى سنة 215 هـ: (من تزوج فقد ركن إلى الدنيا) (?).ونقل السهروردي في (عوارفه) الذي هو أشهر كتاب في التصوف عن أبي سليمان الداراني أيضا أنه قال: (ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته) (?).ونقل المكي عن سيد الطائفة الجنيد البغدادي أنه قال: (أحب للمريد المبتدي أن لا يشغل قلبه بالتزوج) (?).
كما نقل عن بشر بن الحارث أنه قيل له: (إن الناس يتكلمون فيك، فقال: وما عسى يقولون؟ قيل: يقولون: إنك تارك السنة يعنون النكاح.
فقال: قل لهم: إني مشغول بالفرض عن السنة، وقال مرة: ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب الله تعالى قوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، ولعسى أن لا أقوم بذلك، وكان يقول: لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أكون جلاداً على الجسر هذا. يقوله في سنة عشرين ومائتين والحلال والنساء أحمد عاقبة، فكيف بوقتنا هذا؟ فالأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج) (?).
ويقول السهروردي: (التزوج انحطاط من العزيمة إلى الرخص، وجوع من الترمح إلى النقص، وتقيدا بالأولاد والأزواج، ودوران حول مظان الاعوجاج، والتفاف إلى الدينا بعد الزهادة، وانعطاف على الهوى بمقتضى الطبيعة والعادة) (?).