الطور الأول: طور التسامي عن الحياة المادية: ويكون هذا الطور هو عصر الصحابة وهو يتناول القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني عصر كبار التابعين، وهذا العصر مليء بأخبار زهد الصحابة رضي الله عنهم، وأبرز رجال هذا الطور الخلفاء الراشدون، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وكذلك عبد الله بن عباس، وأبو عبيدة رضي الله عنهم وغيرهم كثير فهم الذين كان يتنزل القرآن بين ظهرانيهم ويتلوه عليهم سيد البشر عليه الصلاة والسلام قال تعالى وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] ويبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمرهم قائلا ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) (?).
وإذا رجعنا إلى كتاب (حياة الصحابة) للكندهلوي ونظرنا في زهد الرسول صلى الله عليه وسلم وزهدأصحابه رضي الله عنهم لوجدنا ترفعهم عن الدنيا وتزودهم فيها للآخرة ما يفوق الوصف.
والملاحظ أن عصر الصحابة رضي الله عنهم كان عصر التوازن بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد، وبين الدنيا والآخرة، وبين الخلوة والمخالطة، فهم مع ترفعهم عن الانخراط والانغماس في متاع الدنيا إلاّ أنهم لم يعزفوا عن الدنيا بالكلية لأن الإسلام يدعو إلى التوازن والتوسط في الأمور جميعها بلا إفراط ولا تفريط. ولم يدع الإسلام إلى الغلو والتنطع ولا إلى التفرغ الكامل للزهد والاعتكاف عن الجهاد بل هناك نصوص كثيرة تخالف هذا الاتجاه منها: قال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] قال صلى الله عليه وسلم: ((صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً)) (?).وحين ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا لزينب، إذا فترت أمسكت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)) (?).
¤مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص19، 20