- " وإن نسبتهم إلى لبس الصوف تنبئ عن تقللهم من الدنيا وزهدهم فيما تدعو إليه النفس بالهوى من الملبوس الناعم، ويكون اللابس خشناً مثل الملبوس في خشونته.
- وإن لبس الصوف أمر ظاهر والحكم بالظاهر أسلم وأولى في نسبتهم إلى حال أو مقام لأنه أمر باطن، وأيضاً لأن القول بأنهم صوفية للبسهم الصوف أبعد عن الرياء وأقرب للتواضع.
- وإن هذا الرأي قد سلم مما توجه إلى غيره من الآراء فإنه يوافق قواعد اللغة من حيث النسبة والاشتقاق لأنه يقال تقمص لمن لبس القميص وتصوف إذا لبس الصوف.
ويرد عليهم بعدة أمور: - " بأن لبس الصوف ليس فيه فضيلة وليس في الانتساب إليه شرف وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الصوف والقطن والكتان وقد جاء في البخاري عن أنس ((كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس الحبرة)) (?) وجاء في شرحها لابن حجر في فتح الباري قال ابن بطال: إن الحبرة بردة من برود اليمن تصنع من قطن، وتكون مزينة، من التحبير وهو التزيين.- بل قد أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد) عن عائشة رضي الله عنها ((أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق ووجد ريح الصوف قذفها، قال وكان يعجبه الريح الطيبة)) (?) وهذه الأحاديث يقلب للصوف ظهر المجن.
- وأما قولهم بأن عيسى عليه السلام كان لا يلبس إلا الصوف فهو قول مأخوذ من مصادر غير صحيحة ومن كتب أهل الكتاب المحرفة.
- إن لبس الصوف هو لبس الرهبان وأهل الصوامع، ولا رهبانية في الإسلام وكثير من الزهاد الأوائل كان يذم لبس الصوف لذلك.
ومن ذلك ما ورد في (تلبيس إبليس) " بأن حماد بن أبي سليمان رأى رجلاً عليه ثوب صوف فقال له " ضع عنك نصرانيتك هذه ".
وقال أبو العالية لرجل آخر لبس الصوف " إنما هذه ثياب الرهبان ".
ورأى سفيان الثوري رجلاً لبس الصوف فقال " لباسك هذا بدعة ".
وينكر ابن الجوزي أن يكون للمرقعة الصوفية أصل في السنة وهي التي يزعمون أن النبي عليه السلام ألبسها لعلي رضي الله عنه.
- ولم يرد أن أبا بكر وعمر والصحابة رضي الله عنهم كانوا مختصين بلبس الصوف دون غيره من الثياب.
- إن لبس الصوف مدعاة إلى التظاهر بالتنسك والتقشف والزهد وهذا من الرياء فقد قال محمد بن محمد الكتاني لأصحاب المرقعات " إخواني إن كان لباسكم موافقاً لسرائركم فقد أحببتم أن يطلع الناس عليها وإن كانت مخالفة لسرائركم فقد هلكتم ورب الكعبة.
- وقال الجنيد إذا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أن باطنه خراب.
- ورحم الله ابن الجوزي الذي عاب على الذين خربوا بواطنهم وتظاهروا بالزهد والتقشف فقال " كان الزهد في بواطن القلوب فصار في ظواهر الثياب "، وكان الزهد حرقة فصار اليوم خرقة، " ويحك صوف قلبك لا جسمك وأصلح نيتك لا مرقعتك ".
- ويرى الإمام القشيري في الرسالة القشيرية أن التصوف اسم عَلَم على طائفة الصوفية بغض النظر عن اشتقاق الكلمة والأصل الذي أخذت عنه. والذي أراه أن التصوف نشأ نشأةً إسلامية مستقاة من النصوص الشرعية في الزهد وترك الدنيا وملذاتها، ثم مع مر الأيام تأثر بعض الصوفية وأصحاب الطرق بالفكر الغريب المستقى من الفلسفة اليونانية والأديان القديمة وذاك ما سنبينه عند الحديث عن نشأة التصوف وتأثره بالفكر الغريب.
والراجح في هذه الأقوال هو نسبتهم إلى الصوف لأنه حكم بالظاهر وتصح لغة، أو قول الإمام القشيري وهو من أوائل الصوفية فهو أعلم بشؤونهم.
¤مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي محمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص6 - 13