ومن هي لابتداء الغاية، فإن كان المجرور بها عيناً يقوم بنفسه لم يكن صفة لله كقوله وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه [الجاثية:13] وقوله في المسيح وروح منه [النساء:171] وكذلك ما يقوم بالأعيان كقوله وما بكم من نعمة فمن الله [النحل:53] وأما إذا كان المجرور بها صفة ولم يذكر لها محل كان صفة لله كقوله ولكن حق القول مني [السجدة:13] وكذلك قد أخبر في غير موضع من القرآن أن القرآن نزل منه وأنه نزل به جبريل منه رداً على هذا المبتدع المفتري وأمثاله ممن يقول أنه لم ينزل منه قال تعالى: قل أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [الأنعام:114] وقال تعالى قل نزله روح القدس من ربك بالحق [النحل:102] وروح القدس هو جبريل، كم قال في الآية الأخرى نزل به الروح الأمين على قلبك [الشعراء:193] وقال: من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [البقرة:97] وقال هنا نزله روح القدس من ربك [النحل:102] فبين أن جبريل نزله من الله لا من هواء ولا من لوح ولا غير ذلك، وكذلك سائر آيات القرآن كقوله تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم [الزمر:1] وقوله حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم [غافر:1 - 2] وقوله حم، تنزيل من الرحمن الرحيم [فصلت:1 - 2] وقوله الم، تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين [البقرة:1 - 2] وقوله يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [المائدة:67] فقد بين في غير موضع أنه منزل من الله، فمن قال أنه منزل من بعض المخلوقات كاللوح والهواء فهو مفتر على الله مكذب لكتاب الله متبع لغير سبيل المؤمنين، ألا ترى أن الله فرق بين ما نزل وما نزله من بعض المخلوقات كالمطر بأن قال وأنزل من السماء ماء [البقرة:22] فذكر المطر في غير وأخبر أنه نزله من السماء، والقرآن أخبر أنه منزل منه، وأخبر بتنزيل مطلق في مثل قوله: وأنزلنا الحديد [الحديد:25] لأن الحديد ينزل من رؤوس الجبال لا ينزل من السماء، وكذلك الحيوان فإن الذكر ينزل الماء في الإناث، فلم يقل فيه من السماء، ولو كان جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ لكان اليهود أكرم على الله من أمة محمد، لأنه قد ثبت بالنقل الصحيح أن الله كتب لموسى التوراة وأنزلها مكتوبة فيكون بنو إسرائيل قد أقروا الألواح التي كتبها الله، وأما المسلمون فأخذوه عن محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد أخذه عن جبريل وجبريل عن اللوح، فيكون بنو إسرائيل بمنزلة جبريل، وتكون منزلة بني إسرائيل أرفع من منزلة محمد صلى الله عليه وسلم على قول هؤلاء الجهمية، والله سبحانه جعل من فضائل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه أنزل عليهم كتاباً لا يغسله الماء وإنه أنزله عليهم تلاوة لا كتابة، وفرقه عليهم لأجل ذلك، فقال: وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً [الإسراء:106] وقال تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً [الفرقان:32].