ونصوص الأئمة في ذلك مشهورة متواترة حتى أن أبا القاسم الطبري الحافظ لما ذكر في كتابه في (شرح أصول السنة) مقالات السلف والأئمة في الأصول ذكر من قال القرآن كلام الله غير مخلوق، وقال: (فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفساً أو أكثر من التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة، على اختلاف الأعصار ومضي السنين والأعوام، وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم، ولو اشتغلت بنقل قول أهل الحديث لبلغت أسماؤهم ألوفا، لكني اختصرت فنقلت عن هؤلاء عصراً بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه)، قال: (ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم في سنة نيف وعشرين ومائة، ثم جهم بن صفوان، فأما جعد فقتله خالد بن عبد الله القسري، وأما جهم فقتل بمرو في خلافه هشام بن عبد الملك.) وروى بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجهين أنهم قالوا له يوم صفين: حكّمت رجلين؟ فقال: (ما حكمت مخلوقاً ما حكّمت إلا القرآن) (?)،وعن عكرمة قال: (كان ابن عباس في جنازة فلما وضع الميت في لحده قام رجل وقال: اللهم رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: مه، القرآن منه.) (?) وعن عبد الله بن مسعود قال: (من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين) (?). وهذا ثابت عن ابن مسعود.

وعن سفيان بن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: (أدركت مشايخنا والناس منذ سبعين سنة يقولون: القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود). وفي لفظ (يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق.) وقال حرب الكرماني ثنا إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه عن سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار قال: (أدركت الناس منذ سبعين سنة أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق إلا القرآن فإنه كلام الله منه خرج وإليه يعود.)

وهذا قد رواه عن ابن عيينة إسحاق، وإسحاق إما أن يكون سمعه منه أو من بعض أصحابه عنه.

وعن جعفر الصادق بن محمد - وهو مشهور عنه - أنهم سألوه عن القرآن أخالق هو أم مخلوق؟ فقال: (ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.)

وهكذا روى عن الحسن البصري وأيوب السختياني وسليمان التيمي وخلق من التابعين.

وعن مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وأمثال هؤلاء من الأئمة وكلام هؤلاء الأئمة وأتباعهم في ذلك كثير مشهور بل اشتهر عن أئمة السلف تكفير من قال القرآن مخلوق وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، كما ذكروا ذلك عن مالك بن أنس وغيره، ولذلك قال الشافعي لحفص الفرد وكان من أصحاب ضرار بن عمرو ممن يقول القرآن مخلوق، فلما ناظر الشافعي وقال له القرآن مخلوق، قال له الشافعي: (كفرت بالله العظيم.) ذكره ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية، قال كان في كتابي عن الربيع بن سليمان قال: حضرت الشافعي أو حدثني أبو شعيب ألا أني أعلم حضر عبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو بن يزيد فسأل حفص عبد الله قال: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف بن عمرو فلم يجبه، وكلاهما أشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي فاحتج عليه وطالت فيه المناظرة، فقال الشافعي بالحجة بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وكفر حفصاً الفرد، قال الربيع فلقيت حفصاً في المسجد بعد هذا فقال: أراد الشافعي قتلي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015