واستدلوا أيضاً بأن الحسن العسكري حينما مات أخذ أخوه جعفر تركته، ولو كان للحسن ولد لما حصل على ذلك. وذهب آخرون إلى إثبات ولادة محمد بن الحسن، بل وحددها محمد صادق آل بحر العلوم المعلق على فرق الشيعة للنوبختي بأنها كانت يوم الجمعة منتصف شعبان على أشهر الأقوال كما زعم سنة (255) هـ، بينما الكليني في (الكافي) يذكر أنه ولد سنة (256) هـ, (?)، بينما هو يقرر أنه خفي الولادة والمنشأ (?).
وهؤلاء الذين أثبتوا ولادته تناقضت أقوالهم واضطربت أفكارهم فيه أيضاً، فبعضهم قال بأنه ولد بعد وفاة والده الحسن بثمانية أشهر، وكذَّبوا من زعم غير هذا كما نص عليه النوبختي.
وقال آخرون: إنه ولد قبل وفاة والده بسنين.
وقال بعضهم: بخمس سنوات.
كما اختلفوا كذلك في تحديد السنة التي اختفى فيها، فبعضهم يجعلها سنة
(256) هـ، وآخرون (258) هـ، وغيرهم (255) هـ.
كما اختلفوا في اسم أمه على أقوال:
فقيل: اسمها نرجس.
وقيل: صقيل أو صيقل.
وقيل: اسمها حكيمة. وقيل اسمها سوسن (?).
وأقاويل أخرى كثيرة مضطربة يطول نقلها، وهذا الاختلاف كله دليل على أن هذا الإمام لم يولد وإنما هو استحساناتهم وتخميناتهم، وهذه الاختلافات تدل أيضاً على مدى تخبطهم وعلى الجهل الذي يخيم عليهم إذ كيف تخفى ولادة محمد بن الحسن العسكري وهم متأكدون –حسب شروطهم في الخلافة والإمامة ورواياتهم العديدة- أن الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر، ولابد أن يخلفه عقب منه هو أكبر أولاده، وهو الذي يتولى الأمر بعده، ويغسله ويصلي عليه كما يقررون ذلك.
ثم إن شخصية كهذه تملأ الأرض عدلاً ونوراً لا ينبغي بل ولا يصدق أن تكون ولادته محل خلاف أو خفاء.
ولك أن تستنتج من مواقفهم المتناقضة ما يزيدك يقيناً برداءة مذهبهم فيه، هذا مع ما لهم من حكايات وخرافات هي من نسيج الخيال الغير معقول رواها الطوسي في كتابه (الغيبة) عن حكيمة والخادم نسيم، كلها تدور حول ما حدث عند ولادة المهدي مباشرة.
فإنه حين سقط من بطن أمه كان يقرأ القرآن بصوت مسموع، وأنه كان متلقياً الأرض بمساجده، وأن والده أمره أن يتكلم فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم استفتح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم صلى على أمير المؤمنين -علي بن أبي طالب- وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم تلا قول الله تعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:5 - 6].كما زعم الطوسي أن خادم الحسن العسكري حينما عطس بحضرة المهدي وكان عُمْر المهدي عشر ليال قال له المهدي: يرحمك الله، قال الخادم: ففرحت بذلك. فقال له: ألا أبشرك في العطاس؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيام (?).