وبظهور الجهم بن صفوان، تحول علم الكلام من طور الإنشاء إلى طور أكثر تناسق، بل إلى طور الظاهرة، وذلك للأثر السيىء الذي تركه الجهم بن صفوان في الفرق الإسلامية المختلفة، حتى تأثرت هذه الفرق به في قليل أو كثير من أصوله، ولا سيما في الصفات حتى المنتسبون للسنة من أهل الكلام، فهم على أصوله في كثير من أصول الاعتقاد.

¤الفروق في العقيدة بين أهل السنة والأشاعرة لصادق عبده السفياني - ص 47

تطور الظاهرة الكلامية

إن الظواهر المختلفة لا تستقر ولا تترعرع إلا بعد أن تمر بمراحل مختلفة، وأطوار عديدة متغيرة، وأزمان متباعدة.

ولقد انتقل علم الكلام بهذه المراحل، والأطوار جميعاً حتى صار ظاهرة تحمل العامة على مقتضاه، وتمثل هذه المرحلة منعطفاً خطيراً في عقيدة الأمة، وذلك لاضطلاع الخلافة الإسلامية عليها، وهو سبق خطير ليس له نظير قبله في تاريخ خلفاء الأمة، وكان ذلك في زمن المأمون العباسي، وهذه هي مرحلة الاستقرار الأول لعلم الكلام. يقول الشهرستاني: "ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت أيام المأمون، فخلطت مناهجها بمناهج علم الكلام، وأفردتها فناً من فنون العلم، وسمتها علم الكلام، إما لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها، وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فناً من فنون علمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان" (?).

يقول شيخ الإسلام – ملاحظاً هذا التطور-: في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة.

ومر علم الكلام بمراحل مختلفة يمكن ذكرها فيما يلي:

المرحلة الأولى – وهي مرحلة قدامى المتكلمين، كواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبي الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام، وغيرهم.

وقد تميزت هذه المرحلة بالتأثر بالمصطلحات اليونانية، وخاصة عند المتأخرين منهم كالعلاف، حيث ترجمت كتب الفلسفة اليونانية، وقد كانت المباحث الكلامية في هذه المرحلة متناثرة حسب موضوعاتها التي يتفق الكلام فيها دون وضع قواعد صريحة لهذا العلم، كما خلت هذه المرحلة من الاستعانة بعلم المنطق الأرسطي.

المرحلة الثانية – وهي المرحلة التي دخل فيها الأشاعرة معترك الكلام في مقابل المعتزلة، وتعد هذه المرحلة أكثر تطوراً، نظراً لوضع قواعد علم الكلام ومقدماته التي يحتاج إليها الدارس مثل إثبات الجوهر – الفرد وغيره -.

المرحلة الثالثة – حيث تتميز هذه المرحلة بمناقشة كلام الفلاسفة وإدخال ذلك في علم الكلام كما تتميز أيضاً باستعمال المنطق الأرسطي في مقدمات علم الكلام ودراسة أدلته وبراهينه. المرحلة الرابعة – تتميز بالخلط بين مذاهب الفلسفة والكلام واشتباه الأمر فيها على الكاتب والقارئ جميعاً. ثم التقليد المحض لتلك الآراء من غير نظر في أصولها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015