وينبغي تكرار المناقشة والرد على الشبهات أكثر من مرة، ومن أكثر من شخص مع مراعاة وقت زمني بين كل مرة وأخرى، إذ في هذه الجماعات من هم مغرورون قد تأثروا بالشعارات البراقة التي يرفعها الخوارج من الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحكيم كتاب الله، فتدفع طائفة منهم العاطفة الدينية الجياشة، وحب الخير للانضمام إلى هذه الجماعات، ولكن ما إن يبدأ الحوار، وتناقش الأمور، ويفكر المرء بما يقال حوله، فالشبهة سرعان ما تزول بإذن الله. يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "بعثنا عثمان بن عفان في خمسين راكبا وأميرنا محمد بن مسلمة الأنصاري (?) حتى أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، تذرف عيناه دموعا، بيده السيف وهو يقول: ألا إن هذا – يعني المصحف- يأمرنا أن نضرب بهذا يعني السيف – على ما في هذا – يعني المصحف فقال محمد بن مسلمة: اجلس، فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم – أي ابن مسلمة رضي الله عنه – حتى رجعوا (?).ومن مناظرات الصحابة للخوارج وإلزامهم بالأصل الذي يقرون به، ما جرى بين عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما حيث يقول: "لقيني ناس ممن كان يطعن على عثمان ممن يرى رأي الخوارج، فراجعوني في رأيهم وحاجوني القرآن. قال: فلم أقم معهم ولم أقعد، فرجعت إلى الزبير منكسرا فذكرت ذلك له، فقال الزبير رضي الله عنه: إن القرآن قد تأوله كل قوم على رأيهم وحملوه عليه، ولعمر الله إن القرآن لمعتدل مستقيم، وما التقصير إلا من قبلهم، ومن طعنوا عليه من الناس فإنهم لا يطعنون على أبي بكر وعمر، فخذهم بسنتهما وسيرتهما، قال عبدالله: فكأنما أيقظني بذلك، فلقيتهم فحاججتهم بسنة أبي بكر وعمر، فلما أخذتهم بذلك قهرتهم وضعف قولهم" (?).ونجد أن المناقشة وإقامة الدليل والإجابة على التساؤلات تزيل كثيرا من الشبه التي تعترض الخوارج وتدعوهم إلى الخروج على الجماعة المسلمة وقتالهم: ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن يزيد الفقير (?) قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج (?)، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس، وقال: فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبدالله يحدث القوم جالسا إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون، والله يقول: رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [آل عمران:192]. كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج: 22]. فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم يعني الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم. قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج قال: ثم نعت وضع الصراط ومرور الناس عليه. وقال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك. قال: غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها. قال: يعني: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم (?)، قال: فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس، فرجعنا قلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد (?).

¤الصحابة بين الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص444

طور بواسطة نورين ميديا © 2015