والأحاديث في هذا الباب كثيرة كلها توجب طاعة أولي الأمر لتتم وحدة الأمة ويقوم كيانها به، على أنه وإن تظاهرت الأحاديث بطاعة أولي الأمر والرضا بحكمهم، إلا أن تلك الطاعة ليست على إطلاقها فقد قيدت طاعة الحاكم بما إذا كان ملتزماً لحكم الله غير آمراً بالمعصية، أما إذا كان بخلاف ذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية خالقه تعالى. يقول صلى الله عليه وسلم: ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) (?).4 - عن علي رضي الله عنه قال: ((بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا: بلى، قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطباً فأوقدوا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فراراً من النار أفندخلها؟! فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف)) (?).
وهذا اللفظ في البخاري وقد أورد مسلم عدة روايات في مثل هذا المعنى، وهي واضحة في عدم طاعتهم في المعصية المحرمة.
إلا أنه لا ينبغي أن يفهم منها أنه بمجرد ارتكاب الحاكم المعصية يباح الخروج عليه كما ترى ذلك الخوارج، إذ أن المعاصي لا يمكن أن يخلو عنها بشر، فإذا أبيح الخروج على الحاكم لأنه عصى سترتكب حينئذ من المعاصي أضعاف ما ارتكب، إضافة إلى أن خلفه الذي سينصب لابد وأن يعصي معصية ما فيفضي ذلك إلى الفوضى وارتكاب المنكرات فيضعف الدين، وتبطل حكم التشريع الربانية.
فلا يجوز الخروج على الحكام ما داموا ملتزمين بالشريعة محافظين على الصلاة وسائر شعائر الإسلام، إلا أن يظهروا كفراً بواحاً فيه دليل لنا عليه من كتاب الله وسنة نبيه، أو أن يأمروا الناس بترك شعيرة من شعائر الإسلام كالصلاة أو الحج وغيرهما من شعائر الإسلام، أو يأمرونهم بفعل المعاصي.
¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص422