ومن هؤلاء أيضاً الشيخ محمد حسين الذهبي حيث قال عن المدرسة العقلية الحديثة "أنها أعطت لعقلها حرية واسعة فتأولت بعض الحقائق الشرعية التي جاء بها القرآن الكريم، وعدلت بها عن الحقيقة إلى المجاز أو التمثيل، وليس هناك ما يدعو لذلك إلا مجرد الاستبعاد والاستغراب، استبعاد بالنسبة لقدرة البشر القاصرة، واستغراب لا يكون إلا ممن جهل قدرة الله وصلاحيتها لكل ممكن. كما أنها بسبب هذه الحرية العقلية الواسعة جارت المعتزلة في بعض تعاليمها وعقائدها وحملت بعض ألفاظ القرآن من المعاني ما لم يكن معهوداً عند العرب في زمن نزول القرآن، وطعنت في بعض الحديث تارة بالضعف وتارة بالوضع، مع أنها أحاديث صحيحة رواها البخاري ومسلم وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى بإجماع أهل العلم كما أنها لم تأخذ بأحاديث الآحاد الصحيحة الثابتة في كل ما هو من قبيل العقائد أو من قبيل السمعيات مع أن أحاديث الآحاد في هذا الباب كثرة لا يستهان بها" (?).وقال "وإذا كان الأستاذ الإمام قد أعطى لعقله الحرية الكاملة في تفسيره للقرآن الكريم فإنا نجده يغرق في هذه الحرية ويتوسع فيها إلى درجة وصلت به إلى ما يشبه التطرف في أفكاره والغلو في آرائه" (?).وقال في موضع آخر ما خلاصته "الأستاذ الإمام ومن على طريقته لا يفرقون بين رواية البخاري وغيره فلا مانع عندهم من عدم صحة ما يرويه البخاري، كما أنه لو صح في نظرهم فهو لا يعدو أن يكون خبر آحاد لا يثبت به إلا الظن وهذا في نظرنا هدم للجانب الأكبر من السنة" (?).وقال عن موقفه من حديث ((كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها)) (?). وقد رواه الشيخان قال الذهبي عن موقف محمد عبده "فهو لا يثق بصحة الحديث رغم رواية الشيخين له ثم يتخلص من إرادة الحقيقة على فرض الصحة بجعل الحديث من باب التمثيل، وهو ركون إلى مذهب المعتزلة الذين يرون أن الشيطان لا تسلط له على الإنسان إلا بالوسوسة والإغواء فقط" (?).وقال أيضاً "وهذا المسلك الذي جرى عليه الشيخ رشيد هو مسلك شيخه ومسلك الزمخشري وغيره من المعتزلة الذين اتخذوا التشبيه والتمثيل سبيلاً للفرار من الحقائق التي يصرح بها القرآن ولا تعجز عنها قدرة الله وإن بعدت عن منال البشر" (?).وقال "ثم إن صاحب (المنار) لا يرى السحر إلا ضرباً من التمويه والخداع وليس له حقيقة كما يقول أهل السنة وهو يوافق بهذا القول قول شيخه وقول المعتزلة من قبله" (?).ولم يكن الشيخ الذهبي بالوحيد الذي ربط بين اتجاههم واتجاه المعتزلة بل حتى أنور الجندي الذي أشاد بهذه المدرسة وخدع بها قال "وإذا كان جمال الدين الأفغاني هو أول من فتح باب المنطق والفلسفة في الفكر العربي الحديث بحسبانه طريقاً إلى الدفاع عن الإسلام في مواجهة الفلسفات الحديثة على نفس المنهج الذي اتخذه المعتزلة فإن محمد عبده هو الذي عمق هذا الاتجاه حتى أطلق عليهما اسم "معتزلة العصر الحديث" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015