ليكون له جاراً وفي ذلك الحين اتخذه اللورد أستاذاً ومرشداً يسترشد برأيه في كل عمل يطلبه في تنفيذ الغرض الذي أجمع عليه السياسيون فكان الإصلاح الأزهري الذي ذهب بالدين وعلمه النافع أدراج الرياح من إشارات ذلك المفتون، وكذلك كان إصلاح المحاكم الشرعية وما أنشئت الجامعة المصرية إلا بإرشاده وكان من تعليماته لذلك اللورد أن لا يتولى المناصب العالية متمسك بدينه وكان بين ذلك التلميذ وبين المبشرين رابطة وداد قوية فكانوا يزورونه في غالب الأحيان للاسترشاد به في مهمات التضليل التي أجمعوا عليها .. وكان من مساعدة اللورد كرومر لشيخه ومرشده أن ولاه مناصب القضاء الأهلي حتى وصل به إلى وظيفة مستشار .. ثم عينه مفتياً بالديار المصرية ليكون له الحق في التداخل بشؤون الأزهر الذي أجمع السياسيون على خرابه فكان كل من أراد أن يلتحق بالمناصب العالية يتظاهر بازدراء الدين ورجاله ويكون كزب الأرض في ثباته على تمثيل هيئة العناد والإصرار بعدم الانقياد لأي واعظ كان من النصحاء ... وما زالت تماثيل زب الأرض تتفاقم رزاياها وتنتشر مصائبها من سفهاء الزيغ الذي افتتنوا بذلك الطالب المارق من الدين ظانين أن انتشار صيته في الممالك كان لمهارته في العلم وتمسكه في العلم وتمسكه بالحق وليس الأمر كذلك وإنما هي فتنة اتخذها اللورد كرومر طريقاً مسلوكاً لتنفيذ أغراض السياسيين في البطش بالدين الإسلامي والخلافة وضياع العلم الديني وكان أمر الله قدراً مقدوراً" (?).ونذكر بعد هذا رأي الشيخ يوسف النبهاني وهو مع رأي الجنبيهي كما يقول الدكتور محمد محمد حسين "يصوران الجانب الآخر لصدى دعوة الأفغاني ومحمد عبده عند المعاصرين وهو الجانب الذي اختفى الآن أو كان يختفي تحت تأثير الضغوط والحماية التي تساند هذه المدرسة وتحارب خصومها" (?).
والشيخ النبهاني – أيضاً – إنما يتحدث ويقول بعد معاشرة ومخالطة للأفغاني إذن فقوله قول من أدرك الأمور على حقيقتها لا قول متخرص ظان.
يصفهم بادعاء الاجتهاد المطلق وهم "الجاهلون" قال نظماً:
وكم من قرون قد توالت ولم يجل ... بدعوى اجتهاد مطلق عالم فكراً
ادعاه الجاهلون بعصرنا ... قما أقبح الدعوى وما أفظع الأمرا (?)
ويرى أن قوله تعالى وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة: 11] يرى أنهم هم المرادون بها ويستدل بما نقله السيوطي في الدر المنثور عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه سئل عن هؤلاء القوم فقال لم يأتوا بعد وذكر ذلك البيضاوي ثم قال النبهاني "قلت لا شك أن المنافقين المذكورين في هذه الآيات السابقة واللاحقة، والخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي رضي الله عنه وغيره من أئمة الإسلام متصفون بهذه الأوصاف الذميمة إلا أنهم لم يدعوا أنهم مصلحون لدين الإسلام ويلقبوا أنفسهم بهذا اللقب مثل هذه الفرقة الضالة فرقة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده المصري في مطابقة الآية لهذه الفرقة أكثر من مطابقتها للمنافقين والخوارج وإن شملتهم جميعاً أحكامها" (?).
وقال نظماً:
فما بالهم لا يصلحون نفوسهم ... أما هي بالإصلاح من غيرها أحرى (?)
وقال:
وكل امرئ لا يستحي في جداله ... من الكذب والتلفيق مهما أتى نكراً