إهانته، وتحقيره: حيث كان سلام بن مطيع "ت 64 هـ" يقول: "حدثنا المكتوم عمرو بن عبيد" (?)، وذكر عمرو بن عبيد عند سعيد بن عامر "ت 208 هـ" في شيء قاله، فقال: "كذب، وكان من الكاذبين الآثمين، وذكر سعيد يوماً رجلاً لم يسمه، فقال: كان المسكين باراً بأمه، ولكن كان مبتدعا، فقيل له: عمرو بن عبيد هو يا أبا محمد؟ فقال: لا، ولا كرامة لعمرو، وكان عمرو أقل من ذلك، وأرذل من ذلك" (?).وعن محمود بن غيلان "ت 249 هـ" قال: "سمعت قريش بن أنس قال: حدثنا عمرو بن عبيد، ثم قال: وما تصنع بعمرو بن عبيد؟ كف من تراب خير منه" (?)، وكان أيوب السختياني يقول: "ما فعل المقيت؟ يعني عمرو بن عبيد" (?)، وكان أيوب يقول عنه إنه أهوج (?)، وقال أيوب – أيضا -: "ما زال عمرو بن عبيد رقيعا منذ كان" (?)، وكان حماد بن سلمة "ت 167 هـ" يقول: "ما كان عمرو بن عبيد عندنا إلا عرة "أي ذرق الطير، أو البعير"" (?).
عدم السلام عليه أو رد سلامه: قال عبدالوهاب الخفاف "ت 204 هـ": "مررت بعمرو بن عبيد، وهو وحده، فقلت: مالك تركوك؟ فقال: نهى ابن عون الناس عنا، فانتهوا" (?)، وهذا النهي من عالم واحد، وكان التزام الناس به هكذا، فكيف إذا أجمع علماء الأمة على هذا النهي، وهذا يدلل على أن أمر الابتداع كان منكرا، وغريبا غاية الغرابة، بفضل الله، الذي وفق هؤلاء العلماء لكشف هؤلاء المبتدعة. وقد كانوا يمثلون أسمى معاني العزة في عقيدتهم، وسلوكهم؛ فعن حماد بن زيد، قال: "كنت مع أيوب، ويونس، وابن عون، وغيرهم، فمر بهم عمرو بن عبيد، فسلم، ووقف وقفة، فما ردوا عليه، ثم جاز، فما ذكروه" (?).وعن عبدالله بن بكر المزني قال: "لم يكن أحد أحب إلي من عمرو بن عبيد قبل أن يحدث؛ لقد كنت أشتهي أن أنظر إليه، فأول ما تكلم استوحشت منه، فلقيته يوماً في الطريق، فأردت أن أزوغ عنه، فلم أقدر، فقال لي: ما لك؟ ليس ها هنا أيوب، ولا يونس" (?).وهكذا يبدو عمرو بن عبيد أمام هؤلاء الأعلام كالسارق الذي يريد إنفاق بضاعته في الخفاء، ويريد أن يلتقي بالناس، فلا يستطيع ذلك، فيرغبهم، ويؤمنهم أنه ليس هنا أيوب، ولا يونس؛ مما يدلل على مكانة علماء السلف في صدور الناس، وانهزام المبتدعة، وبحثها في سراديب الظلام؛ لترويج بدعتها المنكرة؛ فلذلك كان هؤلاء محط كراهية عمرو بن عبيد، لما أحدثوا في الناس من إهمال، ومقت له، فعن يحيى بن النضر "ت 215" قال: "مررت بعمرو بن عبيد، فجلست إليه فذكر شيئا، فقلت: ما هكذا يقول أصحابنا، قال: ومن أصحابنا، لا أبالك؟! قلت: أيوب، ويونس، وابن عون، والتيمي، فقال: أولئك أنجاس أرجاس، أموات غير أحياء" (?)، وبلغ من حنقه أن قال يوما معقبا على كلام لواصل بن عطاء: "فما كلام الحسن، وابن سيرين، والنخعي "ت 95 هـ"، والشعبي، "ت 105هـ" عندما تسمعون، إلا خرق حيض مطروحة" (?).
والحق الذي يجب اعتقاده أن خرق الحيض المطروحة هي ما جاءت به المعتزلة، ومن شابههم من أهل الزيغ، والضلال؛ فإن أولئك الأعلام كان علمهم من الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة الكرام، وكلام واصل، وعمرو، هو كلام البدعة، والانحراف الذي أتيا به من مجالس الثنوية، والمجوس، وما أملاه عليهما الشيطان، مخالفين لعقيدة الأمة.