وهذا التصرف يدلك على أن هؤلاء الأئمة كانوا يتثبتون من بدعية الرجل ومتى ظهرت لهم هجروه، وقاطعوه، إن لم يكن أمل في رجوعه، فرحمهم الله.- عن عبدالوهاب بن الخفاف قال: "مررت بعمرو بن عبيد وحده، فقلت: مالك؟ تركوك؟ قال: نهى الناس عني ابن عون فانتهوا" (?) رحم الله ابن عون، هكذا يكون السني الجاد تجاه المبتدع الداعي الذي لا أمل في ازدجاره.- وعن عدي بن الفضل قال: "كلمت يونس بن عبيد في عبدالوارث، فقال: رأيته على باب عمرو بن عبيد جالساً لا تذكره لي" (?).
- وعن قريش بن أنس قال: سمعت عمرو بن عبيد يقول: "يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله، فيقول لي: أنت قلت: إن القاتل في النار؟ فأقول: أنت قلته، ثم أتلو هذه الآية وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء: 93] فقلت – وليس في البيت أصغر مني-: أرأيت إن قال لك: أنا قلت: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: 48] من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا؟ فما رد علي شيئاً" (?).
هذه المواقف السلفية الحازمة الثابتة كما رأيت مبنية على منهج واضح في كراهة البدعة والمبتدعين، والحرص على النصح والتحذير من أن تنتشر هذه البدع وتسري إلى من هم في عافية منها.- عن عاصم الأحول قال: جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه، فقلت: لا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض، فقال يا أحول أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي أن يذكر حتى يحذر ... " (?).
هذا طرف من مواقف أهل السنة تجاه أهل الاعتزال منذ نشأته، وتلك فتاواهم في حقهم، ونصائحهم وتحذيراتهم لأصحابهم من المعتزلة، ولم يكن ذلك محصوراً في مجرد تصريحات شفهية، وبيانات كلامية، لكن أضافوا إلى ذلك مصنفات غاية في الدقة والموضوعية والروعة، ومن مصنفاتهم في الرد على المعتزلة ما يأتي:
1 - أكثر ردودهم على الجهمية تتضمن ردوداً على المعتزلة أيضاً لتقارب المنهجين في كثير من المباحث، واتحادهما فيما يتعلق بأصول التأويل الفاسد.
2 - (رسالة الرد على القدرية) لأمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز ت101هـ رحمه الله – (أخرجها أبو نعيم في الحلية 5/ 346 - 353).3 - (الرد على القدرية) لإسماعيل بن حماد ت212هـ (ذكره في كشف الظنون 1/ 839) وتصنيفه في الرد على القدرية يؤكد ما ذكره بعض أهل العلم من أن استجابته في محنة خلق القرآن كانت عن تقية شرعية، لا عن اعتقاد. (?)
4 - (رسالة في أن القرآن غير مخلوق) لأبي إسحاق الحربي ت285هـ (طبعت).
5 - (الرؤية) لأبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي ت342هـ (طبع).
6 - (الرؤية) لأبي أحمد العسال ت349هـ (ذكره الذهبي في السير 16/ 11).
7 - (الرؤية) لعلي بن عمر الدارقطني ت385هـ (حققه د. سليم الأحمدي – رسالة الدكتوراه في الجامعة الإسلامية).
8 - (الرد على القدرية) لابن أبي زيد القيرواني ت386هـ (ذكره في السير 17/ 11).
9 - (رؤية الله) لابن النحاس ت 416هـ (طبع بتحقيق محفوظ الرحمن).
10 - (الرد على القدرية) لأبي المظفر السمعاني ت489هـ (ذكره حفيده في الأنساب 3/ 299).
11 - (الانتصار في الرد على القدرية الأشرار) ليحيى بن سالم العمراني ت 558هـ (حققه د. سعود الخلف رسالة علمية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية).
12 - (رؤية الباري) للذهبي ت 748هـ (ذكره في مقدمة سير النبلاء 1/ 76).