((ولا تختلفوا)) وعلل سبب النهي بقوله: ((فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) فلما كان الاختلاف يؤدي إلى الفرقة المؤدية إلى الهلكة كرهه عليه الصلاة والسلام ونهى عنه. بل ونهى عن كل سبب يؤدي إليه: ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه)) (?).وقوله: ((ما ائتلفت عليه قلوبكم)) أي: اجتمعت، فاقرؤوه وأنتم مجتمعون عليه معانيه عندما تخشى عليكم الفرقة ووقوع النزاع بينكم فالواجب القيام عنه لذلك قال" فقوموا عنه" أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر (?).ولقد كان صلى الله عليه وسلم يغضب ويشتد غضبه عند اختلاف أصحابه في أمر من أمور الدين خشية ما يؤدي إليه من فرقة وهلكة ففي الحديث عن عبدالله بن عمرو قال: ((هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا في آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْغَضَبُ فقال: إنما أهلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب)) (?).ولقد كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم من أشد الناس تحذيرا من الفرقة ونهيا عنها وبيانا لأضرارها يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناصحا ومرشدا لرعيته: إياكم والفرقة بعدي (?).ويقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في إحدى خطبه محذرا من الفتنة التي تؤدي للفرقة يقول: إياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستيصال (?).ولقد نصح النعمان بن بشير رضي الله عنه أهل المدينة حينما خلعوا بيعة يزيد بن معاوية في نهاية عام 62هـ وحذرهم من عواقب الفرقة ومضارها وما ينتج عنها من سفك للدماء ودمار للديار فقال لهم رضي الله عنه: إن الفتنة يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا؟ فقال له النعمان أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحى الموت بين الفريقين وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك إلي وخلفت هؤلاء المساكين ـ يعني الأنصارـ يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس فلم يسمعوا منه فانصرف وكان الأمر والله كما قال سواء (?)

¤موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص127 - 133

طور بواسطة نورين ميديا © 2015