فإذا كان المراد بالنفس في الآية النفس الكافرة، فالشفاعة المنفية في الآية الشفاعة للكفار، لا للعصاة؛ وإذاً فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر. ثانياً: تظاهر الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) (?). وأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة وإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة - إن شاء الله - منهم من لم يشرك بالله شيئا)) (?).وإذا ثبتت الشفاعة لأهل الكبائر؛ فلابد من أن تكون الشفاعة المنفية في الآية؛ إنما هي الشفاعة للكفار جمعاً بين الآية والحديث (?).ثالثا: ويؤيد أن الآية في الكافرين - أيضاً - أن الخطاب فيها مع قوم كافرين، وهم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، فنزلت هذه الآية لرد هذا الاعتقاد، وبيان أنه لا ينفعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماماً لكل من كان على مثل منهاجهم؛ لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمته (?).
وإذاً فالشفاعة المنفية في الآية: إنما هي الشفاعة للكافرين لما ذكرت من إجماع المفسرين على أن الآية خاصة بالكافر، ولأن الخطاب فيها مع قوم كافرين، وهي سنة لمن سلك نهجهم، ولتظاهر النصوص المثبتة للشفاعة لأهل الكبائر. وعليه فيبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر. والله أعلم.
الشبهة الثانية:
قال تعالى: ... مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18].
وجه الدلالة: يقول القاضي عبدالجبار: "إن الله تعالى بين في هذه الآية أن الظالم لا يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين لتحصل لهم مزية في التفضل وزيادة في الدرجات مع ما يحصل له صلى الله عليه وسلم من التعظيم والإكرام" (?).
المناقشة: