القول الثاني: قول من نسبها إلى طبع الإنسان كالجاحظ أو فعل الله تعالى بإيجاب الخلقة كالنظام ومعمر. يقول القاضي عبدالجبار: "وأما المتولدات ففيها نوع من الاختلاف ... ففي الناس من علقها بالطبع على ما قاله أبو عثمان الجاحظ في أفعال الجوارح والمعروفة، ولم يجعل الواقع عند الاختيار سوى الإرادة دون الحركات وما شاكلها. وفيهم من قال: إن هذه الحوادث التي تحدث في الجمادات، إنها تحصل فيها بطبع المحل، وهو النظام، وإليه ذهب معمر" (?).ويقول النظام: "إن كل ما جاوز حد القدرة، فهو من فعل الله تعالى بإيجاب الخلقة، بمعنى أن الله طبع الحجر إذا دفعته اندفع" (?).

المناقشة:

ستتضمن المناقشة – إن شاء الله – الرد على الجاحظ، ثم الرد على النظام ومعمر، فنقول وبالله التوفيق.

أولاً: الرد على الجاحظ:

لقد رد القاضي عبدالجبار على الجاحظ قوله: إن المتولدات تحصل بطبع الإنسان، وإليك بعض ردوده كما يرويها عبدالكريم عثمان ملخصة.1 - إن حال المتولدات لا يختلف عن حال المباشرة، لأن الفعل المتولد يقع عند حصول السبب وزوال الموانع، والفعل المباشر يحصل عند تكامل البواعث إلى الفعل، وإذا ما حصلت سبباً للفعلين، فهي سبب مباشر للفعل المبتدئ، وسبب بالواسطة للفعل المتولد، فأين الفرق بينهما وكلاهما يحصل من الفاعل؟ وكيف يحصل المراد بالطبع والإرادة باختيار الفاعل مع أن الحالة فيهما سواء، فإما أن يعلقا جميعاً بالطبع، أو يضافا إلى الفاعل.، أما أن يجعل أحدهما بالطبع، والآخر باختيار الفاعل فلا (?).2 - إن تعليق الجاحظ للمتولد بالطبع يوجب أن يضاف الفعل إلى المحل الذي حصل له الفعل لا إلينا، فيسمى المحل فاعلاً (?)، ويستحق الذم والمدح، وهذا محال فما يؤدي إليه مثله.3 - إذا كان الإنسان يفعل هذه المتولدات طباعاً عند الإرادة، فما هي الحاجة إلى وجود القدرة؟ إن مثل هذا القول يجوز أن يقع الفعل دون القدرة عليه (?).4 - ما دام الفعل يقع حتماً بطبع الإنسان إذا وجدت الإرادة والدواعي إليه، فإنه يجوز أن يوجد داع وإرادة أخرى معارضة للإرادة الأولى والداعي الأول، فيقع فعل أيضاً، وهكذا يجتمع فعلان متناقضان في وقت واحد، واجتماع المتناقضين مستحيل، فما يؤدي إليه مثله (?).

وإذاً فقول الجاحظ: إن الفعل المتولد يقع بطبع الإنسان باطل، وإذا بطل أن تكون الأفعال المتولدة طباعاً؛ فإما أن تكون من الله أو من الإنسان؛ إن كانت من الإنسان، فتكون كالأفعال الاختيارية، ويشملها ما يشمل الأفعال الاختيارية من رد، وقد سبق الرد عليها عند الرد على شبهات المعتزلة في أفعال العباد الاختيارية. وإن كانت من الله فقد سلموا وأذعنوا للحق. والله أعلم.

ثانياً: الرد على النظام ومعمر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015