الثاني: ما لا يكون له صفة زائدة على حسنه: وهذا لا يستحق بفعله المدح، ويسمى مباحاً، وحده: ما عرف فاعله حسنه أو دل عليه. وأفعال القديم تعالى لا توصف بالمباح، وإن وجد منها ما صورته صورة المباح كالعقاب (?)؛ لأن من حق المباح أن يكون فعل الفاعل له، وأن لا يفعله بمنزلة واحدة في أنه لا يستحق به ذماً، ولا مدحاً؛ وذلك مما لا يتأتى في أفعاله سبحانه وتعالى؛ لأنه يستحق على أفعاله كلها المدح والشكر (?).

وأما الأول: وهو الفعل الحسن الذي له صفة زائدة على حسنه، فإنه ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: أن يستحق بفعله المدح، ولا يستحق الذم إذا لم يفعل؛ وذلك كالنوافل وغيرها. ثانيهما: أن يستحق بفعله المدح، والذم إذا لم يفعل؛ وذلك كالواجبات (?).

فأما الأول: وهو ما يستحق بفعله المدح، ولا يستحق الذم إذا لم يفعل، فهذا هو المندوب، وينقسم إلى قسمين:

أ- ما يكون مقصوراً على فاعله، وإنما يسمى بأنه ندب ونفل وما شاكله. ب- ما يتعداه إلى غيره، ويسمى إحساناً وتفضلاً وما شاكله (?).فأما الأول: فلا يقع في أفعال الله تعالى، لأنه يقتضي أن يكون هناك نادباً ندبه إليه، ثم يقول القاضي: وذلك يصح في العقلاء منا دون الله تعالى (?).وأما الثاني: وهو التفضل؛ فإنه يقع في فعل الله تعالى كابتداء الخلق والإحياء والأقدار وغير ذلك (?).

القسم الثاني من أقسام الفعل الحسن الذي له صفة زائدة على حسنه: وهو ما يستحق المدح لفعله والذم إذا لم يفعل، وهو الواجب؛ وذلك نحو الإنصاف وشكر المنعم ... (?)، وهذا لا يثبت في فعله تعالى ابتداء؛ وإنما يكون عند سبب يفعله؛ وذلك كالتكليف الذي به يلتزم الأقدار واللطف والإثابة والتعويض ... (?)، وهو ينقسم إلى قسمين: أحدهما: الذي إذا لم يفعله بعينه يستحق الذم، فوصف بأنه واجب مضيق فيه؛ وذلك كالتفرقة بين المحسن والمسيء، وشكر المنعم في أوقات مخصوصة، ونحو ذلك (?). وهذا ثابت في أفعال الله. يقول ابن منتويه - وهو يتكلم عن الواجب بالنسبة لله -: "وما يتعين في فعله تعالى، وهو كإعادة من يستحق الثواب أو العروض، فإن غير تلك الأجزاء لا تقوم مقامها أصلاً؛ بل يجب إعادتها بأعيانها ... " (?).ثانيهما: وهو الذي إذا لم يفعله، ولم يفعل ما يقوم مقامه، يستحق الذم، فوصف بأنه واجب مخير فيه ... وذلك كالكفارات الشرعية التي خير فيها (?). وهذا أيضاً ثابت في أفعال الله. يقول ابن منتويه: "وأما ما كان من فعله تعالى على طريقة الوجوب المخير فيه، فهو أنه تعالى إذا علم من حال نفسين أنهما يصلحان للبعثة، فهو في حكم المخير، إن شاء بعث هذا، وإن شاء بعث ذاك، وكذلك لو علم أن اللذة تقوم مقام الألم في الصلاح لكان في حكم المخير فيهما" (?).