قلنا: وكذلك القديم تعالى تستحيل عليه الرؤية فلا يجب أن يرى نفسه فيما لم يزل. . وبعد فإن هذا قياس الرائي على المرئي، وأحدهما مباين للآخر لأن الرائي إنما يصح أن يرى الشيء لكونه حيا بشرط صحة الحاسة، والمرئي إنما يرى لكونه مرئيا في نفسه بشرط أن يكون موجودا في الحال وليس كذلك القديم تعالى فلا يصح ما أوردتموه وهل هذا إلا كأن يقال إن من كان حيا كما يجب أن يكون رائيا للشيء يجب أن يكون مرئيا فكما أن هذا خلف من الكلام كذلك هنا لأن المعلوم أن الشيء لا يرى لكونه حيا، وإنما يرى لكونه على الصفة التي يتعلق بها الإدراك والرائي إنما يرى الشيء لكونه حيا، وبعد فما أنكرتم أن الواحد منا إنما يصح أن يرى نفسه مما تصح رؤيته وليس كذلك القديم تعالى لأن الرؤية مستحيلة عليه ففارق أحدهما الآخر (?).

والدليل كما قرره الشيخ أبو الحسن الأشعري تظهر فيه الدلالة على الجواز، وإن كان لا يقوى أن يعتمد عليه كل الاعتماد في الدلالة العقلية، لكن من يتصف بأنه يرى الأشياء ويعلمها، فلا يمتنع عليه أن يعلم ويرى لعدم الفرق بين الأمرين. ورد المعتزلة على الدليل لا يبطله فهذا الإفراط في النفي منهم جعلهم يعطلون الله تعالى عن أن يرى نفسه أو يراه غيره، وإن كان بعضهم أثبت أنه يرى غيره ولا يرى نفسه، فهو خروج عن المعقول إذ كيف يوصف من لا يرى نفسه بأنه يرى غيره فهذا ظاهر البطلان، فمن لا يتصف بأنه يَرى ويُرى فماذا يكون؟! فغلوهم هذا في تنزيه الله تعالى - على زعمهم – عن التشبيه أدى بهم إلى التعطيل، ثم هو تشبيه لله تعالى بالمعدوم. وأما دعواهم القياس للرائي على المرئي مع المباينة وشروط المرئي التي قالوها، وأن القديم ليس كذلك.

فنقول: إن الشروط تجب عند الرؤية. ولم نقل في الرؤية الآن، ولا في دار الدنيا حيث إن من ركبت جوارحه للفناء لا تستطيع أن تصمد لمشاهدة الحي الدائم، وهذا ظاهر.

3 - دليل عقلي ثالث على جواز الرؤية:

هناك مسلك عقلي آخر سلكه الغزالي في الاستدلال على الرؤية بعد دليل الوجود، قال عنه إنه الكشف البالغ وتلخيصه: أن الخصم لم ينكر علينا القول بالرؤية إلا لعدم فهمه ما نريد بها لأنه ظن أنا نريد بها حالة تساوي الحالة التي يدركها الرائي عند النظر إلى الأجسام والألوان، وهيهات، فنحن نقول: باستحالة ذلك في حق الله تعالى، ولكن ينبغي أن نحصل معنى الرؤية في الموضع المتفق ونسبكه ونحذف منه ما يستحيل في حق الله سبحانه وتعالى، فإن بقى من معانيه معنى لم يستحل في حق الله تعالى وأمكن أن يسمى ذلك المعنى رؤية حقيقية أثبتناه وقلنا إنه مرئي حقيقة، وإن لم يمكن إطلاق اسم الرؤية عليه إلا بالمجاز أطلقنا اللفظ عليه بإذن الشرع واعتقدنا أن المعنى كما دل عليه العقل. وقال تحصيله أن الرؤية تدل على معنى له محل وهو العين ومتعلق وهو اللون والقدر والجسم وكل المرئيات، ولنتأمل أيها ركن في إطلاق هذا الاسم فنقول: أما المحل فليس بركن في صحة هذه التسمية فإن الحالة التي ندركها بالعين من المرئي لو أدركناها بالقلب، أو بالجبهة مثلا لكنا نقول قد رأينا الشيء وأبصرناه وصدق كلامنا. فإن العين محل وآلة لا تراد لعينها بل لتحل فيه هذه الحالة فحيث حلت الحالة تمت الحقيقة وصح الاسم فالركن الذي الاسم مطلق عليه وهو الأمر الثالث وهو حقيقة المعنى من غير التفات إلى محله ومتعلقه فلنبحث عن الحقيقة ما هي ولا حقيقة لها إلا أنها نوع إدراك هو كمال ومزيد كشف بالإضافة إلى التخيل (?). . الخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015