إذا عرفت هذا فنقول: مذهبنا في هذه المسألة ما اختاره الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي، وهو أنا لا نثبت صحة رؤية الله تعالى بالدليل العقلي، بل نتمسك في هذه المسألة بظواهر القرآن والأحاديث، فإن أراد الخصم تعليل هذه الأدلة وصرفها عن ظاهرها بوجوه عقلية يتمسك بها في نفي الرؤية اعترضنا على دلائلهم وبينا ضعفها ومنعناهم من تأويل هذه الظواهر (?).وسلك الشهرستاني في الاستدلال العقلي على الرؤية طريقة أخرى حينما رأى بعدها عن الصواب فقال: (الموجودات اشتركت في قضايا واختلفت في قضايا والرؤية قد تعلقت بالمختلفات منها والمتفقات ولا يجوز أن يكون المصحح للرؤية ما يختلف فيه فإنه يوجب أن يكون لحكم واحد علتان مختلفتان، وهذا غير جائز في المعقولات، أو يلزم أن يكون لحكم عام علة خاصة هي أخص من معلولها، وما يتفق فيه الجوهر والعرض إما الوجود أو الحدوث، والحدوث لا يجوز أن يكون مصححا للرؤية فإن الحدوث هو وجود مسبق بعدم. والعدم لا تأثير له في الحكم فبقي الوجود مصححا بالضرورة، وهذا تقسيم قاصر فإن الرؤية بالاتفاق تعلقت بالجوهر والعرض وهما قد اختلفا من كل وجه سوى الوجود والحدوث، وقد بطل الحدوث فتعين الوجود، ولا يلزم على هذه الطريقة انتشار الأقسام كما لزم على طريق الأصحاب غير استبعاد محض للمعتزلة في قولهم لو كان كل موجود مرئيا لكان العلم والقدرة والطعم والرائحة وما سوى اللون والمتلون مرئيا ولكان نفس الرؤية مرئية بالرؤية وهذا محال (?).ولكن هذا المسلك الذي سلكه الشهرستاني هو تقرير لدليل الوجود بصورة أخرى. يلزمها كل لازم له فلا فرق بينهما والحالة هذه إذ إنه هو الآخر ترد عليه اعتراضات الخصوم والأصحاب وتساؤلاتهم، فنكتفي بالإشارة إلى عدم الاطمئنان إلى الطريقة التي أوردها الشهرستاني حين لم يرتض الطريقة الأولى، والتي فضلها على سائر الطرق. إذ رد عليها الآمدي وبين عدم استقامتها، وأن تطويل الشهرستاني في تقريرها لا يشفي غليلا (?)، ثم إن الشهرستاني نفسه يذكر في نهاية كلامه على الرؤية عدم اطمئنانه إلى الطريقة العقلية إذ يقول: (واعلم أن هذه المسألة سمعية أما وجوب الرؤية فلا شك في كونها سمعية، وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلي ما ذكرناه، وقد وردت عليه تلك الإشكالات ولم تسكن النفس في جوابها كل السكون ولا تحركت الأفكار العقلية إلى التقصي عنها كل الحركة فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضا مسألة سمعية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015