فنقول: إن الله تعالى نفى إدراك الأبصار له وهو أن تحيط به فهذا النفي ورد على مقيد وهي الرؤية المحيطة، فإذا المنفي هو قيد الإحاطة، وهذا يشهد بأن الرؤية جائزة، لأنها لو كانت ممتنعة لنفى أصل الرؤية لا الرؤية المحيطة، نظير ذلك أنه إذا كان هناك شخصان أحدهما لم يجئ إليك والثاني جاء غير راكب فإنك تقول في الثاني ما جاء راكبا تريد نفي الركوب لا نفي المجيء ولا تقول في الأول ما جاء راكبا بل تقول ما جاء، وهذا معنى قولهم في القواعد العامة: إذا ورد النفي على مقيد بقيد، كان النفي منصبا على القيد لا المقيد، والنفي في الآية الكريمة ورد على الرؤية المحيطة فيكون المراد نفي الإحاطة، وهذا بدوره يقتضي ثبوت أصل الرؤية، والله أعلم.
رابعا: من أدلة أهل السنة على الجواز:
قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام في محاجة قومه في النجوم فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام: 76 - 78]. وجه الدلالة أن الخليل عليه السلام حاج قومه في النجوم وبين أنها تأفل وتغيب، في حين أن الرب لا يغيب ولا يأفل ثم قال في ذلك لا أحب الآفلين ولم يحاجهم بأنه لا يحب ربا يرى، ولكن حاجهم بأن لا يحب ربا يأفل وهذا هو دليل عدم الدوام وهو الذي يمتنع على الله تبارك وتعالى أما الرؤية فلا، حيث لم يجعلها الخليل من موانع الربوبية كالأفول والغيبة (?).