قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103]. قال الألوسي: (الأبصار جمع بصر يطلق كما قال الراغب على الجارحة الناظرة وعلى القوة التي فيها، وعلى البصيرة وهو قوة القلب المدركة وإدراك الشيء عبارة عن الوصول إلى غايته والإحاطة به، وأكثر المتكلمين على حمل البصر هنا على الجارحة من حيث إنها محل القوة، وقيل هو إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام، كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه: التوحيد أن لا تتوهمه، وقال أيضا كل ما أدركته فهو غيره. ونقل الراغب عن بعضهم أنه حمل ذلك على البصيرة، وذكر أنه قد نبه به على ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قوله: "يا من غاية معرفته القصور عن معرفته إذا كانت معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بمثل لشيء منها بل موجد كل ما أدركته") (?). هذا ما قيل في معنى الإبصار والإدراك الواردين في الآية. وقال الرازي في تقرير وجه الدلالة على المدح: (لو لم يكن تعالى جائز الرؤية لما حصل التمدح بقوله لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام: 103] ألا ترى أن المعدوم لا تصح رؤيته والعلوم والقدرة والإرادة، والروائح والطعوم لا يصح رؤية شيء منها، ولا مدح لشيء منها في كونها بحيث لا تصح رؤيتها، فثبت أن قوله: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ يفيد المدح وثبت أن ذلك إنما يفيد المدح لو كان صحيح الرؤية، وهذا يدل على أن قوله تعالى لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ يفيد كونه تعالى جائز الرؤية، وتمام التحقيق فيه: أن الشيء إذا كان في نفسه بحيث تمتنع رؤيته فحينئذ لا يلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم للشيء، أما إذا كان في نفسه جائز الرؤية ثم إنه قدر على حجب الأبصار عن رؤيته وعن إدراكه كانت هذه القدرة الكاملة دالة على المدح والعظمة، فثبت أن هذه الآية دالة على أنه تعالى جائز الرؤية بحسب ذاته) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015