وقد خالفهم في ذلك من المعتزلة - والخلاف لفظي؛ إذ الكل ينفي قيام هذه الصفة بالله تعالى: أ- معمر بن عباد السلمي (?)؛ الذي قال بأن الخلق غير المخلوق، وجعل الخلق معنى قائما بالمخلوق؛ أو معاني متسلسلة، ولم يجعله قائما بالخالق جل وعلا فرارا منه عن قيام الحوادث بالله تعالى (?) - بزعمه. ب- أبو الهذيل العلاف (?)؛ الذي جعل الخلق لا في محل؛ فقال: إن قول الله تعالى: "كُنْ" لا في محل. وهذا فرار منه عن قيام الحوادث بالله (?) - بزعمه.
وعند التأمل يبدو أن الخلاف بين المعتزلة في هذه المسألة خلاف لفظي، إذ الكل ينفي قيام هذه الصفة بالله تعالى.
وقد تأثر ابن كلاب بجمهور المعتزلة، فقال مثلهم بأن الخلق هو المخلوق، والفعل هو المفعول، وجعل مقتضى الصفة مفعولا منفصلا عن الله، لا يقوم بذاته جل وعلا. أما في صفة "الكلام": فقد نفت المعتزلة قيام الكلام بالله تعالى مطلقا؛ قديم النوع منه، وحادث الآحاد، وقد بنوا ذلك على قولهم: (الرب لا تقوم به صفة)؛ لأن ذلك يستلزم التجسيم - بزعمهم -؛ إذ الصفة عرض، والعرض لا يقوم إلا بجسم، والجسم لا يخلو من الحوادث، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث (?).والحوادث: هي جملة من الصفات التي يسمونها: الأعراض، فلو قام به - جل وعلا - كلام متعلق بمشيئته وقدرته، لقامت به الحوادث، التي هي جملة من الأعراض، فيكون جسما محلا للحوادث - على حد زعمهم - ويبطل الدليل الذي استدلوا به على حدوث العالم (?).لذلك فسروا تكليم الله - تبارك وتعالى- لموسى عليه السلام بأنه خلق كلاما في غيره، ليس هو صفة قائمة به (?)؛ فتكلم بدلا عنه، فقالوا بحدوث كلامه - تقدس عن قولهم وتعالى علوا كبيرا. يقول عبد الجبار المعتزلي: "والذي يدل على حدوث كلامه الذي ثبت أنه كلام له: أن الكلام على ما قدمناه لا يكون إلا حروفا منظومة، وأصواتا مقطعة، وقد ثبت فيما هذه حاله أنه محدث؛ لجواز العدم عليه، على ما بيناه في حدوث الأعراض" (?).
ولما كان كلامه - جل وعلا - مخلوقا - عندهم - لزم أن يكون القرآن الكريم مخلوقا؛ لأنه من كلامه - تبارك وتقدس. فلزمهم - إذا - أن يقولوا: "إن القرآن أو غيره من كلام الله مخلوق منفصل بائن عنه؛ فإنه لو كان له كلام قديم، أو كلام غير مخلوق، لزم قدم العالم على الأصل الذي أصلوه؛ لأن الكلام قد عرف العقلاء أنه إنما يكون بقدرة المتكلم ومشيئته" (?).
الخلاصة:
ويتضح مما تقدم:
أن شبه المعتزلة في تعطيل الباري - جل وعلا - عن صفاته العلا - بالإستناد إلى دليل الأعراض وحدوث الأجسام - تنحصر في أمرين - كأسلافهم من الجهمية -:
أولهما: قولهم: إن الله - تعالى - ليس بجسم؛ لأن الأجسام متماثلة، وهي محدثة - على حد زعمهم.
ثانيهما: قولهم: لا تقوم بالله - تعالى - الصفات ولا الأفعال؛ لأن المعقول من الصفات والأفعال أعراض حادثة قائمة بجسم، فلو قامت به الصفات لكان جسما - والله ليس بجسم كما قالوا
ولو قامت به الصفات - وهي حوادث بزعمهم - لكان محلا لها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
¤الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا - 1/ 317