المبحث العاشر: أبرز ملامح الاعتزال

1 - تأثرهم بالفلسفة اليونانية: المعتزلة قوم فتنوا بالفلسفة اليونانية، وبالمنطق اليوناني، وبما نقل عن الفلسفة الهندية والأدب الفارسي، وقد كانوا – كلهم أو جمهورهم – ممن يمتون إلى الأصل الفارسي، فأولوا القرآن، لينسجم مع تلك الفلسفة، وكذبوا الأحاديث التي تتعارض مع هذه العقلية اليونانية الوثنية (?).لقد شاعت الفلسفة اليونانية في القرن الخامس الهجري، شيوعاً كاد أن يهز النفوس، وأصبح أذكياء الأمة، يقبلون على الفلسفة ومباحثها، من غير تمييز للنافع عن الضار ... وأدى هذا الموقف الانهزامي الذي تردى فيه هؤلاء، إلى أنهم حاولوا إخضاع الدين، إلى نظريات الفلسفة وفرضياتها، تحت شعار التوفيق بين الدين والفلسفة، وكان الأحرى بهم أن يخضعوا الفلسفة للدين (?).

وقد بين الشيخ محمد أبو زهرة، الأسباب التي أدت إلى وقوع المعتزلة في أحضان الفلسفة فقال:

"وقد دفعهم إلى دراسة الفلسفة أمران:

أحدهما: أنهم وجدوا فيها مراناً عقلياً، جعلهم يلحنون بالحجة في قوة. وثانيهما: أن الفلاسفة وغيرهم، لما هجموا بعض المبادئ الإسلامية تصدى هؤلاء للرد عليهم، واستخدموا بعض طرقهم في النظر والجدل، وتعلموا كثيراً منها، ليستطيعوا أن ينالوا الفوز عليهم" (?).2 - ينبوع المعرفة عند المعتزلة (?):

يتلخص في تقديم العقل على الأدلة الشرعية، وجعل العقل حاكماً لا محكوماً.

وقد اشتمل هذا المنهج العقلي على خطوتين.

الأولى: قصدوا بها تطهير الفكر، وضرورة تجرده عن الإلف والعادة ... وفي هذا هدم لنظرية التقليد. الثانية: تحكيم العقل تحكيماً مطلقاً، إذ آمن المعتزلة بالعقل ورفعوا شأنه .. وجعلوه الحكم الذي يحكم في كل شيء والنور الذي يجلو كل ظلمة، حكموه في إيمانهم، وفي جميع شؤونهم العامة والخاصة (?).لقد حكموا العقل أكثر من تحكيمهم للشرع، بل جعلوا الأدلة العقلية مقدمة على الأدلة الشرعية، فكذبوا ما لا يوافق العقل، من الحديث الشريف – وإن صح – وأولوا ما لا يوافقه من الآيات وإن صحت، بل حاولوا إخضاع عبارات القرآن لآرائهم وتفسيرهم لها تفسيراً يتفق مع مبادئهم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015