ولم أرد من هذا الاستطراد إلا بيان نفوذ المعتزلة ذلك النفوذ الذي يكاد يوصف بأنه قيام دولة المعتزلة، وابن أبي دؤاد هذا يقول عنه الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله –: "ما كان له معرفة بشيء، إنما كان يعول على هؤلاء المعتزلة، أهل البصرة، برغوث وأصحابه، فأما هو فلا صاحب علم، ولا كلام، ولا نظر، وقد قال لي يوما في تلك الأيام، في شيء ذكره، فقلت له مجيبا له: فهل معك في هذا كتاب أو سنة؟، فقال: وأنت لا تقول إلا بما في الكتاب والسنة؟ فقلت له: وهل يقوم الإسلام إلا بالكتاب والسنة، اخترعت رأيا وتأولته تدعو إليه الناس، قال: فأمسك" (?).ومات المأمون، وأوصى قبيل وفاته لأخيه المعتصم قائلا: "وأبو عبدالله بن أبي دؤاد فلا يفارقك، وأشركه في المشورة في كل أمرك، فإنه موضع لذلك منك" (?) وانتقلت الخلافة إلى المعتصم، وأبقى ابن أبي دؤاد في منصبه، واستمرت المحنة على أهل السنة، وهكذا الحال في عهد الواثق، وبقيت للمعتزلة في عهود هؤلاء الدولة والسلطة (?).ثم بعد ذلك أفضت الخلافة إلى المتوكل، "فأمر سنة (234هـ) بترك النظر والمباحثة والجدال، وترك ما عليه الناس في أيام المعتصم والواثق من القول بخلق القرآن ... وأمر الشيوخ المحدثين بإظهار السنة والجماعة" (?).7 - وفي القرن الرابع الهجري أصبح الصاحب بن عباد وزير الآل بويه – استمرت دولتهم من (320 إلى 447هـ) – فدعا إلى مذهب المعتزلة، يقول البغدادي المتوفى سنة (429هـ) عند ذكره لأبي هاشم الجبائي: "وأكثر معتزلة عصرنا على مذهبه لدعوة ابن عباد وزير آل بويه إليه" (?).والصاحب بن عباد هذا كان متعصبا للمعتزلة، فكان لا يولي القضاء في دولته الشيعية إلا من كان معروفا بالاعتزال، وعبدالجبار الهمذاني لما بدأ يعرف بأنه إمام المعتزلة في عصره، اتصل به الصاحب واستدعاه إلى الري، وولاه رئاسة القضاء فيها وفي قزوين وغيرهما (?)، وكان ذلك سببا في انتشار كتب عبدالجبار الهمذاني، وبالتالي انتشار مذهب المعتزلة. هذه لمحة تبين لنا كيف انتشر مذهب المعتزلة في مختلف العصور بشكل لم يعهد لأي فرقة من الفرق إلا فرقة الشيعة (?).
¤القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن المحمود - ص 127