المبحث الرابع: فتوى اللجنة الدائمة في التحذير من مذهب الإرجاء وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام فيه

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...

وبعد:

فقد أطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من عدد من المستفتين، المقيدة استفتاآتهم بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (5411) وتاريخ (7/ 11/1420هـ). ورقم (1026) وتاريخ (17/ 2/1421هـ). ورقم (1016) وتاريخ (7/ 2/1421هـ). ورقم (1395) وتاريخ (8/ 3/1421هـ). ورقم (1650) وتاريخ (17/ 3/1421هـ). ورقم (1893) وتاريخ (25/ 3/1421هـ). ورقم (2106) وتاريخ (7/ 4/1421هـ). وقد سأل المستفتون أسئلة كثيرة مضمونها:

"ظهرت في الآونة الأخيرة فكرة الإرجاء بشكل مخيف، وانبرى لترويجها عدد كثير من الكتاب، يعتمدون على نقولات مبتورة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية؛ مما سبب ارتباكاً عند كثير من الناس في مسمى الإيمان، حيث يحاول هؤلاء الذين ينشرون هذه الفكرة أن يخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، ويرون نجاة من ترك جميع الأعمال، وذلك مما يسهل على الناس الوقوع في المنكرات وأمور الشرك وأمور الردة، إذا علموا أن الإيمان متحقق لهم، ولو لم يؤدوا الواجبات ويتجنبوا المحرمات ولو لم يعملوا بشراع الدين بناء على هذا المذهب.

ولا شك أن هذا المذهب له خطورته على المجتمعات الإسلامية وأمور العقيدة والعبادة، فالرجاء من سماحتكم بيان حقيقة هذا المذهب، وآثاره السيئة، وبيان الحق المبني على الكتاب والسنة، وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام، حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه، وفقكم الله وشدد خطاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:

هذه المقالة المذكورة هي: مقالة المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال فيه فقط وليست منه، فمن صدق بقلبه، ونطق بلسانه؛ فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيراً قط، ولزم على ذلك الضلال لوازم باطلة؛ منها: حصر الكفر بكفر التكذيب والاستحلال القلبي، ولا شك أن هذا قول باطل وضلال مبين، مخالف للكتاب والسنة، وما عليه أهل السنة والجماعة سلفا وخلفاً، وأن هذا يفتح بابا لأهل الشر والفساد، للانحلال من الدين، وعدم التقيد بالأوامر والنواهي، والخوف والخشية من الله سبحانه.

ويعطل جانب الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسوي بين الصالح والطالح، والمطيع والعاصي، والمستقيم على دين الله، والفاسق المتحلل من أوامر الدين ونواهيه، ما دام أن أعمالهم هذه لا تخل بالإيمان كما يقولون.

ولذلك اهتم أئمة الإسلام - قديما وحديثاً - ببيان بطلان هذا المذهب، والرد على أصحابه، وجعلوا لهذه المسألة بابا خاصا في كتب العقائد، بل ألفوا فيها مؤلفات مستقلة، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في "العقيدة الواسطية": "ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل. قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية".

وقال في "كتاب الإيمان": "ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: قول وعمل ونية وأتباع السنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وكل هذا صحيح".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015