وهذا تكفير للمقالة، وأما أصحابها، فقد قال شيخ الإسلام: "والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة، وأمثال هؤلاء، ولم يكفر أحمد الخوارج، ولا القدرية - إذا أقروا بالعلم، وأنكروا خلق الأفعال، وعموم المشيئة -، لكن حكي عنه في تكفيرهم: روايتان. وأما المرجئة، فلا يختلف قوله في عدم تكفيرهم، مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم" (?).ومع هذا كله لم ينس شيخ الإسلام رحمه الله عليه وهو يتخذ هذا الموقف من التنبيه على أن قول الجهمية بأن الفساق لا يخلدون في النار أقرب في الحكم إلى قول السلف (?).فهؤلاء الجهمية يعدون في إقرارهم بالأمر النهي والوعد والوعيد - وإن كانوا يضعفونه - من مقتصدة المرجئة الجبرية، إذا ما قورنوا بغالية المرجئة ممن ينكر العقاب بالكلية، أو ينكر الوعيد في الآخرة رأساً، كما يفعله طوائف من الاتحادية والمتفلسفة والقرامطة والباطنية من الجبرية المرجئة (?).
الصنف الثالث: الكرامية. مع نقض شيخ الإسلام لمقالة الكرامية، وتبين أن قولهم في الإيمان لم يسبقهم إليه أحد، إلا أن هذا لم يحل دون التأكيد على عدم تقويلهم ما لم يقولوا به، فمن نسب غليهم الحكم على المنافق بأنه مؤمن من أهل الجنة، فقد أخطأ عليهم، فالقوم إنما نازعوا في الاسم لا الحكم (?).
وبعد، فتلك الخلاصة مركزة لموقف شيخ الإسلام من المرجئة، وما مضى في مباحث الكتاب فيه تفاصيل كاشفة لحقيقة هذا الموقف، والله تعالى أعلم.
¤آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص535